إذا قلبتم كمجتمعات موازين الحق والباطل، لتتمادى فئات الضلال بالعبث واللهو داخل وخارج أوطانكم، فإنكم تثلجون صدور أعدائكم المتربصين بمقدراتكم للبطش بمصالحكم واحتلال أراضيكم.

إذا اخترتم كتيارات النزول للشوارع والتحاف الأزقة وتراشق الاتهامات وتغليب العنف والتعنت والفوضوية على أبسط قواعد المصالحة الوطنية، فإنكم تلصقون بشعوبكم تُهمة الإرهاب زوراً وبهتاناً، وأنتم تعلمون أن ديننا الحنيف كان أفضل من شيّد دعائم الحوار الحضاري وأرسى صروح الديموقراطية، وأول من اجتث جذور الإرهاب وأنزل العقاب الصارم بأصوله وفروعه.

إذا تماديتم كأنظمة في تشويه صورة أوطانكم وفشلتم في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان بين شعوبكم، فعودوا إلى شريعتنا السمحاء التي كانت أول من أعتق كافة ألوان البشر وألغى جميع أنواع العبودية وأطلق الحريات ومنحكم كامل حقوقكم الإنسانية، لتحققوا قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". إذا افتقرتم كأمة إلى الخير في أهدافكم وفقدتم السماحة في معشركم وابتعدتم عن الصدق في تعاملاتكم وأخفقتم في تنفيذ أنظمتكم، فتذكّروا القرآن الكريم الذي سبق أنظمة العالم أجمع في تنظيم قواعد تعاملاتنا وإعلاء سمعة أحكامنا، وكرّمنا سبحانه وتعالى من دون الشعوب بحُسْنِ خُلق رسولنا العظيم لنتشرف بأن نكون "خير أمة أخرجت للناس".

إذا تماديتم ـ أيها العرب ـ في التعدي على حقوق الملكية الفكرية وسرقة المؤلفات الأدبية واستبحتم أسواقنا بأساليب الغش التجاري وتقليد الأسماء والعلامات التجارية، فعليكم أن تعودوا إلى سيرتنا العطرة التي كانت أول من حرّم السرقة بكافة أشكالها وأنواعها، وحذّركم من الغش والتدليس والتقليد، وهددكم بأن "من غشنا فليس منا".

إذا آثرتم عدم تعديل مستوى الفكر والمعرفة لدى أبنائكم وتماديتم في حجب مبادىء البحث العلمي عن طلاب وطالبات جامعاتكم ومعاهدكم، فتذكروا آباءكم وأجدادكم من علماء العرب والمسلمين الذين كانوا أعظم من أثرى العلم والطب والأدب والمعرفة، وأول من اكتشف نظريات الرياضيات والجبر والفيزياء والهندسة، وأفضل من أرسى مبادىء جغرافية المناخ وحركة النجوم وانكسار الضوء وقوى الجاذبية، لتستفيد كافة شعوب الأرض من علومكم ومراجعكم ومكتباتكم الغنية.

أتطالبون العالم باسترجاع حقوقكم المغتصبة، وأنتم اليوم تتنازعون على ما تبقى من كعكة "ضفّتكم" وتتنافسون على بقايا "غزّتكم"؟

أتنادون دول الغرب والشرق ليساندوكم في لمّ شملكم، وبعضكم اليوم يتقاسم غنائم "سودانكم"، وبعضكم الآخر يقتل شيوخ وأطفال "عراقكم" ويهدد أبناء جلدتكم في صنعاء "يمنكم" ويغتصب السفن الآمنة في محيط وبحار "صومالكم" ويتفاخر باغتيال الأبرياء وتفجير الأحزمة في دور عباداتكم؟

أتعتقدون أن شعوب العالم يجهلون مواقعكم العربية على الإنترنت، وأنهم لا يستغربون ركاكة صفحاتها الخالية من البيانات التجارية الصحيحة والمؤشرات الاقتصادية الحديثة؟ أترضون أن تحتوي صفحاتكم الإلكترونية على أعمدة السياسة وطرق مواجهة احتلال عدو لأرض تقّل مساحتها عن 1% من مساحة العالم العربي ولا يزيد عدد محتليها عن 1,5% من أعداد سكان الدول العربية؟

أتوافقون على خلو مواقعكم الإلكترونية من تعريف العالم بمؤهلات أمتنا الثقافية ومزاياها الاستثمارية وأنظمتها الحضارية؟ وكأن أبجديات شؤون مجتمعاتنا الأصيلة ومعايير التنمية المستدامة لا تمت لبلادنا العربية بصلة.

ألا تعترفون بالتقصير المرير وأنتم تحتفلون بتأسيس جامعتنا العربية قبل أكثر من نصف قرن، والتي أنشئت قبل المجموعة الأوروبية، وأخفقت في تعريفنا بمبادىء العولمة الاقتصادية وفشلت في توضيح أهداف النظام التجاري العالمي، وتجاهلت أهم مواضيع العصر وأخطر تياراته على شعوبنا وأمتنا؟

ألا تستغربون أنكم ما زلتم عبر نصف قرن ترددون شعارات توطين الأمن المائي والغذائي والصحي والبيئي والتعليمي، وأنتم تتفاخرون بتكديس مكتباتكم باستراتيجيات اجتثاث الفقر وتخفيض نسب البطالة ورفع مستوى المعيشة؟

ألم تقتنعوا بأن اتفاق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، الذي أبرم في عام 1997 وأقر تخفيض التعريفات الجمركية تدريجياً بين 14 دولة عربية، أخفق في زيادة حجم التبادل التجاري بين هذه الدول؟ بل إن التجارة الخارجية للدول العربية مجتمعةً تراجعت خلال نفس الفترة إلى نصف ماكانت عليه قبل عقدين، لتتفوق بهذا المستوى المتدني المؤلم على التجارة الخارجية لكل من الدول الأفريقية ومجموعة الدول الأقل نمواً.

ألا تعتقدون أن الوقت حان لكي نعترف بنجاحاتنا الزائفة في مغامرات خطف المبادرات وافتراش الطرقات وإطلاق المظاهرات وتهديد الأبرياء بالشعارات؟ وأن الوقت أزف لكي نعترف بتقصيرنا الفاضح في توحيد تعريفاتنا الجمركية وتكوين تحالفاتنا التجارية وتنمية مواردنا الاقتصادية والدفاع عن مصالحنا الاستراتيجية ومكاسبنا الحيوية؟

أليس من واجبكم، قبل فوات الأوان، أن تثنوا شعوبنا العربية عن التمادي في صراعاتها الداخلية، وتحويلها من حروب للقتل والدمار إلى تنافس شريف في تعظيم المكاسب وفتح الأسواق وإبرام الاتفاقات؟

ألا تعلمون أن عدد التكتلات الاستراتيجية في العالم وصل إلى 230 قوة اقتصادية إقليمية، لتستأثر الدول المشاركة فيها بكافة المزايا المتوفرة لديها؟ وأنه نتيجة لذلك انخفضت نسب البطالة بين شعوبها وانحسر الفقر المدقع بين مواطنيها وازدهرت التجارة البينية في أسواقها، وانطلقت مشاريعها الاستثمارية المشتركة وارتفعت القيمة المضافة المحلية والإقليمية لصناعاتها؟

كفانا تهاوناً يا عرب، وعلينا فوراً بناء شراكاتنا الاستراتيجية وتحالفاتنا الاقتصادية التي هي أمضى سلاحا من السياسة وأشد فتكاً من الأسلحة التقليدية؟

متى تبدأ الدول العربية بترويض سلاحها وترويج تجارتها؟