لم تكن مصادفة أن شبح البطالة قد هيمن على أعمال القمة الاقتصادية الثانية التي عُقدت في شرم الشيخ الأسبوع الماضي. فبعد أحداث تونس هيمن هذا الموضوع على كل حديث، نظراً لأن الشراراة بدأت بمظاهرات احتجاج من قبل الخريجين العاطلين عن العمل.

وفي تقرير لمنظمة العمل العربية نشرت نتائجه عشية القمة العربية، ورد أن عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي بلغ هذا العام 18 مليوناً، غالبيتهم (60%) من الشباب، ويشكلون 14% من قوة العمل العربية.

توجهت الأنظار إلى القمة العربية الاقتصادية التي انعقدت في شرم الشيخ. ولم تخيب قرارات القمة الآمال، فصدر عنها عدد من القرارات التي تبدو مبشرة بالخير إلى أن نقرأها بعناية. فنجد أن مشكلة البطالة في نهاية الأمر مشكلة داخلية لكل دولة على حدة، ولا يستطيع العمل العربي المشترك تقديم الشيء الكثير على المدى القصير على الأقل لحل هذه المشكلة. فالعمل العربي المشترك يتركز على تشجيع التبادل التجاري والاستثمار، وعلى تشجيع المشاريع المشتركة، ومن أبرز ما أقرته القمم العربية في السنوات الأخيرة صندوق دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الذي أقر في القمة الاقتصادية الأولى في عام 2009، ولكنه لم يبدأ أعماله حتى الآن. وهذه المبادرات والبرامج قد توفر بعض الدعم للمستثمرين وأصحاب الأعمال، ولكن مردودها محدود على بطالة الشباب، إلا في المدى البعيد.

ومن المتفق عليه أن مشكلة البطالة ملحة لا تحتمل التأخير. فعندما يكون ثُلث الشباب العربي عاطلاً عن العمل فإن تلك أزمة اقتصادية وكارثة اجتماعية ومصدر قلق أمني، في آن واحد. فالبطالة أزمة اقتصادية لأن تعطل 18 مليون عربي عن العمل يعني أنهم لا يساهمون في العملية الإنتاجية، بل هم عبء اقتصادي على الحكومات التي تُضطر إلى دعمهم من أموال الضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية المجانية التي تقدمها الحكومات، وعالة على أقاربهم الأوفر حظاً. والبطالة كارثة اجتماعية لأن البطالة تعني الفقر والتشرد والمرض والضياع لهذه الملايين من العرب، وفقدان الأمل لنسبة كبيرة من الشباب الباحثين عن عمل.

ومن الناحية الأمنية، تُظهر العديد من الدراسات، بما فيها عدد من الأبحاث العلمية والرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، أن غالبية مرتكبي الجرائم هم من العاطلين عن العمل، لأن البطالة تقدم الحافز للجرائم الاقتصادية، ولكن الفراغ الذي ينتج عن البطالة يجعل الشباب هدفاً سهلاً لمروجي المخدرات وأصحاب الأغراض المشبوهة، الإجرامية والإرهابية وغيرها.

ولكل ذلك فإن مشكلة البطالة لا تُعالج بالبيانات ولا التنميات، ومهما تمنت بيانات القمم العربية حل مشكلة البطالة فإن الحل مرهون في التحليل الأخير بالسياسات الاقتصادية الداخلية.

ومما يزيد الأمر صعوبة أن البطالة في عدد من الدول العربية قد خرجت عن المألوف في الدول الصناعية، وبالتالي لا يقدم علم الاقتصاد التقليدي لها حلولاً جاهزة، ولا تمتلك المنظمات الاقتصادية الدولية حلولاً سحرية لها. فنظريات الاقتصاد مبنية في أغلبها على التجربة الاقتصادية الغربية خلال القرن الماضي بشكل رئيسي. وتقول هذه النظريات بأن الحل للبطالة هو زيادة معدل النموالاقتصادي، أو رفع معدلات الطلب الفعال، أو زيادة تكوين رأس المال، أو تشجيع الاستثمار، وغير ذلك من الحلول التي تُبنى على ما يُسمّى باليد الخفية في الاقتصاد. وهذه اليد الخفية ستحول الاستثمار إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي (الاقتصاد الكلي للدولة)، وهذا بدوره سيزيد من عدد الوظائف المتاحة، مما سيقضي على البطالة أو يخفف من مستوياتها.

وقد اتبعت الدول النامية هذه النصائح التي قدمتها لها المنظمات الدولية، وعلماء الاقتصاد، ولكن النتيجة هي زيادة البطالة بدلاً من انخفاضها. وهذا ما نراه في معظم الدول العربية التي نما اقتصادها نموا سريعاً، ولكن ذلك لم يُترجم إلى تشغيل كامل للموارد البشرية، بل صاحبه انحسار في نسبة المشتغلين.

لا شك أن سوء الإدارة يساهم في تفاقم مشكلة البطالة، ولكن الإشكال فني أيضاً ويتطلب مراجعة واقعية وصريحة للسياسات الاقتصادية التي تم اتباعها لتشجيع النمو الاقتصادي دون اعتبار لآثارها السلبية على بطالة الشباب. وهذه مهمة للاقتصاديين العرب، ومن حسن الحظ أن هناك عدداً من التجارب الدولية الناجحة التي تمكنت من القضاء على البطالة، دون اتباع السياسات الاقتصادية التقليدية التي أشرتُ إليها.