يكشف مشهدنا الثقافي، كما هو حال مشهدنا الصحفي عن كثير من الملامح التي تستحق التأمل والتحليل، ولعل من أبرزها غياب ثقافة الهم الحقيقي عن كثير من إفرازات ذلك المشهد بالقدر الذي تطغى فيه "شكلانية" غريبة، تكاد أن تصل لدى البعض إلى حالة مرضية يصعب علاجها.

ما أقصده بـ"الهم" هنا هو غياب ثقافة الطرح الحقيقي والجاد الذي ينطلق بباعث المعرفة، وحب التعلم والثقافة الطموحة لفهم ما يدور، لا مجرد البحث عن مسرح الضوء على طريقة المقولة المكرورة"خالف تعرف".

وبالرغم من حالة الانفتاح الثقافي التي يشهدها عالم اليوم بتعدد وسائط الملتميديا الحديثة إلا أنه بدا أنها جيرت في كثير من قنواتها لدينا لتمرير تلك الشكلانية بطريقة لا يمكن أن تفصح عن واقعية وحقيقة هذا المجتمع، والذي يختزل ويعتمل في بنيته الفكرية والاجتماعية كثيرا من الملامح التي تستحق الطرح والنقاش والإثراء.

وقد استسهل مشهدنا الثقافي طرح وتقديم وأحيانا إعادة إنتاج ذات المستهلك في كثير من مسارحه وقنواته، وبصورة نمطية مملة في بعض جوانبها، وهي حالة تؤكد أن البعض ربما اقتنع أو أقنع نفسه بأنه ليس بالإمكان تقديم أكثر من ذلك.

وحتما أن تلك النظرة ليست صحيحة على الإطلاق خصوصا إذا ما نظرنا لمجتمع تتنوع فيه المشارب الثقافية والفكرية كما تتعدد فيه الأقاليم، وتتسع فيه الأرض كذلك لجغرافية بشرية متباينة حتى في بعض مظاهر لباسها، وعادتها وسلوكها الغذائي، ولعل التحولات الثقافية التي أشار إليها عدد من الباحثين في بعض مؤلفاتهم على ندرتها قدمت شيئا من حكايتنا، وهي في ذات السياق تشير إلى أن كثيرا من فصولنا لم يفتح بعد.

وإذا كان لدينا اليوم كما ذهب التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يحل الثاني دوليا بعد معرض القاهرة الذي يشرع أبوابه بعد أيام، حيث يؤكد التقرير على ارتفاع مستوى القراءة لدينا كما يشير إلى وجود سوق محلية مربحة للكتاب مما ينعكس بطبيعة الحال على حراكنا الثقافي، فلماذا تقف منابرنا الثقافية عند حدود تقديم وتصدير ثقافة نمطية دون أن تجهد نفسها في إيجاد فضاء مختلف، وعميق يبحث، ويحلل في بنية ومادة هذا المجتمع كي يقدم لنا مادة أصيلة تستحق القراءة؟.

وباستثناء بعض ما يقدمه بعض كتابنا المحليين في صحافة الرأي تحديدا فإن كثيرا من نتاجنا الثقافي على مستوى التأليف والدراسات خير مصداق لتموضع تلك الشكلانية في كثير من أطروحاتنا، ومن النادر أن يلفت نظرك كتاب يناقش قضايانا بعمق وجدية ما يدفع نحوه بكثير من الاهتمام.