عندما نتحدث عن همومنا الاقتصادية، فإن أهم قضيتين اقتصاديتين تقلقان كل أسرة، وكل مواطن، هما موضوعا البطالة، والتضخم، وسأخصص هذا المقال لقضية التضخم، وليعذرني الاقتصاديون إن حاولت تبسيط الموضوع، أكثر مما يرون، لأن هدفي هو الوصول إلى عامة القراء، وليس المتخصصين فقط.
باختصار، يحدث التضخم عندما تكون هناك سيولة كبيرة، تبحث عن سلع وخدمات قليلة، وفي حينها ترتفع الأسعار، وهو ما يجعل السلع، والخدمات حكراً للامتلاك من قبل من يملكون السيولة، ومن ثم يحرم عامة الناس منها، بسبب محدودية مواردهم. هذا الوضع يتضح جلياً في حالة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والذي وإن كان بعضه مرتبطا بالوضع العالمي للزراعة، إلا أن هناك عاملا محليا، يتمثل بقدرة الاحتكار في فرض حاله، في ظل غياب جهة مؤسساتية تدافع عن حقوق المستهلك. ولكن قضية المواد الاستهلاكية لا تمثل قضية كبرى، مقارنة بالقضية الأكبر، والمتمثلة في محاولة الحصول على مسكن، إما عن طريق التملك، أو الاستئجار، ضمن ما يسمح به مستوى الأجور السائد، وهي قضية تهدد بإفقار الطبقة الوسطى، نتيجة اضطرارها لاستخدام مدخراتها (التي تحتاجها عندما تتقدم في العمر)، لغرض تمويل سكن لأبنائها. ولم نتحدث عن الطبقة الفقيرة، لأنه لا مدخرات لديها!
كيف تكونت مشكلة تضخم قيمة العقار، في بلد هو بمثابة قارة، أغلبها منبسط!
هناك عدة أسباب: أولها: أسلوب تملك الأراضي بمساحات كبيرة، دون تطويرها، أو إحيائها، يضاف إلى ذلك عدم وجود كلفة تجبر مالكها على التصرف بها، سواء كانت مصاريف تمويل، أو رسوم.
ثانياً: الكل يستغرب عدم خضوع الأراضي المخصصة للاتجار، للزكاة، وكثير ممن يعرفون نظام الزكاة الحقيقي في الإسلام، يؤكدون وجوب تطبيق نظام الزكاة عليها.
ثالثاً: ساهمت وزارة التجارة في تعاظم المشكلة، عندما ألغت المساهمات العقارية، تحت ذريعة تنظيمها، ولم تخرج بتنظيم بعد، مما جعل العقاريين، وهم مرتاحون، يقتنون الأراضي، وينامون عليها، لثقتهم بأن الطلب سيتزايد، ومن ثم ستزيد الأسعار.
رابعاً: يساهم في تعميق المشكلة، البلديات المختلفة، نتيجة خفض الارتفاعات المسموح بها للبناء، وكل بلدية لها قوانينها، بل الأصح أهواؤها، والتي قد يكون بعضها، إن أسأنا النية، هي لغرض تعظيم الفائدة للعقاريين، من خلال توسع كل مدينة، أفقياً، بدلاً من رأسياً!
يؤسفني أن أزيد إلى هذا السيناريو القاتم، ادعاء أن مشكلة غلاء العقار، وصعوبة التملك، أو الإيجار، قد فاقمت مشكلة اجتماعية أكبر، ألا وهي صعوبة إقبال الشباب على الزواج، مما زاد من نسبة عنوسة الشباب، والشابات، ولا أظنني بحاجة إلى الحديث عن تبعات تلك الصورة السوداوية على مستقبل الأجيال التالية، إن استمر الوضع الحالي، بدون حلول جذرية.
إن قضية التضخم قد تحولت، تدريجياً، من قضية اقتصادية، إلى قضية اجتماعية، ومن ثم إلى قضية أخلاقية! هل أقول أكثر؟!