في اعتقادي أنه مهما كانت جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومحاولاتها اللحاق بما تبقى من آثار في المملكة، أو الكشف عن المدفون تحت الرمال، لا أظنها ستحقق النجاح الذي تتطلع له من جهة جذب معظم فئات المجتمع لهذه الآثار حتى وإن رممتها ونظمت حملات إعلانية ضخمة، لأن المشكلة الأساسية هي مشكلة ثقافة عامة، لم تتربَ معظم هذه الفئات على مفهوم التذوق الجمالي ولا التفكير والتأمل ومهارة البحث عن الحقيقة، فهذه الصفات مجتمعة من أهم مقومات عاشق التراث، ولن تحقق أساليب الدعوات والإعلانات المباشرة أي نتيجة ملموسة، والدليل أنك عندما تزور معلما أثريا عميق الجذور يُدرس في مناهج دول عربية وغربية، مثل "مدائن صالح" في العلا أو "الأخدود" في نجران، ستجد غالبية - إن لم يكن كل - زوار هذا المكان من خارج المملكة، وخصوصا من غير العرب..!.

وفي المقابل لو نظرنا للأعداد الكبيرة التي ترتاد مهرجانات التسوق وأماكن الترفيه العائلي في الأسواق والمجمعات التجارية، وبحثنا عن السبب وراء هذا التقاطر العجيب، لوجدنا أن الأمر يتعلق بأمرين هما الثقافة الاستهلاكية التي طغت على كل مظاهر الحياة، وندرة أماكن الترفيه العائلي.

وفي رأيي أن الهيئة لو ركزت على هذين الجانبين، فاستغلتهما إيجابيا لنشر ثقافة زيارة المواقع الأثرية،لأعطتا نتائج إيجابية سريعة. والاستغلال الذي أقصده هو التركيز وبسرعة، على طرح الأماكن الواقعة في حدود المعلم الأثري لاستثمار القطاع الخاص، وتغيير ملامحها الحالية التي لا تتجاوز الأتربة والغبار المتطاير في الوجوه. فمثلا في معلم مثل "الأخدود" بنجران، توجد مساحة كبيرة من البوابة الرئيسة (الشبك الخارجي) وصولا إلى البوابة الداخلية التي يجري العمل عليها الآن، يمكن أن تكون أماكن ترفيه وجلسات عائلية على أحدث المواصفات، بحيث يُعمل فاصل داخلي، يمنع العبث بالآثار، ويسمح في الوقت ذاته بدخول من يرغب بانتظام وتحت مراقبة مشرفين ومرشدين متخصصين.

فعندما يشعر جميع أفراد العائلة بتوفر الخدمات من مأكولات ومشروبات خفيفة وأماكن جلوس نظيفة، سيصبح المكان الأثري وما جاوره مزارا كبيرا، يُمكن الهيئة من تحقيق عائدات مالية تستغل في الصرف على تشغيل الموقع، من خلال وضع تذاكر دخول رمزية. ويمكن بهذه الطريقة الجمع بين البعد الثقافي للأثر التاريخي، والبعد الاقتصادي الذي يضمن استمرار الحفاظ عليه كما يحدث في معظم دول العالم، فالمشكلة أن مفهوم الخدمات السياحية تركز في أذهان الكثير من المستثمرين والمواطنين البسطاء بأنه "شقة مفروشة.. خمس نجوم"!.