يظن البعض أن الإرهاب من حمل خنجرا وقنبلة ففجَّر نفسه أو الناس، ويخفى على الكثير أن هذا اللون هو الفاضح والأوضح والمزعج مثل طنين الذباب، ولا يتفطنون أن هناك لونا خفيا من الإرهاب لا يعلمه الناس ويفهمه العاقلون مثل لدغ العقارب وعض الحنش.. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.

وهنا قد يسأل أحدنا ما هي تلك الخطيئة. والرب يقول "وذروا ظاهر الإثم وباطنه"، والرب يقول "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون". ولا يخطر في بال أحد كيف يمكن أن يكون الابتلاء بالخير. ونحن نذكر من قول سليمان عليه السلام حين رأى القوات تتحرك بين يديه من الجوية والبرية والبحرية فهم يوزعون، حتى ارتجت الأرض وارتاع النمل خرجت نملة تحذر من هذا الغبار والضجيج وتقول ارجعوا إلى مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فقال ليبلوني أأشكر أم أكفر... ومنه يجب أن نستوعب أن الإرهاب ليس من فجر وقتل، بل من تكلم ونطق.. ولكن كيف؟ كيف؟ قد يكون التهديد لونا من الإرهاب .. ولكن أفظع أنواع الإرهاب هي في تحريك قوى لا طاقة للإنسان بها. كما حدث مع فتنة ابن رشد في الأندلس حين ذهب الفقهاء إلى الملك فقالوا إن كلام هذا الرجل يضل عن سواء السبيل وخطر على عقول العامة ومفسد للشباب. وفي يوم فعلت بالمناسبة ديموقراطية أثينا بسقراط بما يشبه هذا فأضاعت وأتلفت طفرة عقلية قل أن تجود بها القرون ودفعوه لشرب سم الشوكران. وهناك لون من الإرهاب لا يتفطن له إلا الآحاد من الخليقة. ومنه طلب منا الرب ألا نذيع الأخبار المقلقة: ولو ردوه إلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. ما هي إذن القوى العاتية التي تُحرك في وجه المفكر فيطالب برأسه للعدالة. كذا؟!

هناك طريقة خبيثة وقد استعملت ضدي شخصيا بأنني أشكل خطرا على الفكر والأمن، والأمن يعرفني تماما وقد صنفني في خانة العلم والسلم منذ ربع قرن ويزيد، تشفع لي ذلك آلاف المقالات وعشرات الكتب، فهي عقيدة لي وليست تزلفا ولا تملقا لقوة ومؤسسة ومعهد وشخص. كما أن هناك طريقة أشد خفاء قد تستعمل ضد الكاتب وهو ما يسميها القرآن "يحرفون الكلم عن مواضعه".. ولكن كيف ذلك؟

يروي القرآن عن أهل الكتاب ثلاث علل: "يا أهل الكتاب لم تكتمون الحق". فهذه واحدة، والثانية "تصدون عن سبيل الله". والثالثة وهي أخبث: "تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون".

فهذه الوسيلة الخبيثة بأن الكاتب قد كفر وتنزدق وهرطق بحيث يحركون عليه الكتب المنزلة والنصوص المقدسة باصطياد عبارات وجمل وتعبيرات متشابهة مما كتب أو نطق. ومنه قال القرآن إن في الكتاب المحكم نوعين من الكلام: "آيات محكمات" و"آيات متشابهات". "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة". وأنا أحيانا أقول إن دوافع هؤلاء قد تكون الغيرة على الدين ولكنني أغير منهم وقرآني في صدري، ولكن الحرب السياسية الخفية الحزبية لا تعرف غير الهدم والتشويه والإقصاء. والأحزاب في العادة لا ترحم من يخرج من صفها، فضلا عمن ينتقدها، وأذكر عن أخ فاضل أنني اختلفت معه في نصوص من تاريخ ابن كثير فأصبح من ألد الخصام، وإخوة نبهتهم على سمية فكر قطب فأصبحوا من الأعداء، وآخرين قلنا لهم اتبعوا طريق السلام في التغيير فأبوا إلا الإرهاب إن لم يكن في السلاح فليكن في الفكر باستدعاء الله وكتابه والحكومة وأولياء الأمور لإخراس من فكَّر فخالفهم وناقشهم..

اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون..

كنت في صلاة عشاء في أحد الأيام فدعا الإمام دعوات لا توصف إلا بالإرهاب من تدمير تسعة أعشار الكرة الأرضية ممن ليسوا على مذهبه وطريقته. فلم يكن أمامي إلا أن أدعو من الخلف فيتجاوب صوتي وصوته: اللهم أنزل السلام بين الأنام.. الله ازرع في قلوبنا الرحمة وحب المساكين وهداية العباد.. كان يكرر ويرفع صوته وأنا أجيبه من الخلف بما يبطل سميته. لقد كانت قصة طريفة لا أنساها.