كتبت من عدة أشهر مقالة بعنوان (لماذا لا تكون المرأة الراشدة ولية نفسها؟) على خلفية قضية سجن سمر وحرمانها من رؤية طفلها، وبعد أن حملت صحيفة "الوطن" لنا بالأمس خبرا عن مصادقة محكمة التمييز على الحكم الصادر بحق الطبيبة المعضولة - وهي قضية مؤلمة من قضايا العضل - لا أزال اليوم أتساءل لماذا لا تعطى المرأة الراشدة حق تزويج نفسها؟ إذ إن المذهب الحنفي يجيز ذلك معتمدا على أدلة من الكتاب والسنة، وعلى قراءة فقهية مختلفة عن باقي المذاهب، ومتى ترتفع الوصاية عن المرأة التي كرمها الله بالعقل والتمييز، ومنحها حرية الاختيار لشريك الحياة، وساوى بينها وبين الرجل في الخلق والتكاليف والثواب والعقاب؟! في أي عرف أو قانون تحرم امرأة راشدة عاقلة تجاوزت الأربعين من تكوين أسرة وإنجاب أطفال والسكن إلى علاقة زوجية تظللها فيها المودة والرحمة ؟!
ألا يقوي هذا الواقع شوكة الأولياء الذين يعضلون بناتهم عن الزواج، ويزعزع ثقة البنات المعضولات في إنصافهن في حال رغبتهن في الحصول على حقوقهن وانتزاعها من أولياء لايراعون الله فيهن؟! وكم من فتاة معضولة سجن شبابها داخل ولاية أب عاق ستتوقف ألف مرة قبل أن تتظلم وتحاول نيل حقها، بعد مصادقة محكمة التمييز على الحكم الذي أصدره قاضي المدينة على الطبيبة المعضولة؟! ومن المسؤول عن نتائج عدم تلبية الحاجات الفطرية للفتيات المعضولات، وهل سيرحمهن المجتمع أم أنهن سيتعرضن إلى مقصلة جرائم الشرف لمجرد الشبهة؟!
تتحدث الطبيبة عن أخت لها اختفت من ثمان سنوات ولا يعرف لها طريق، وتخشى أن تتعرض لذات المصير فمن ينصفها والمحكمة تعيدها إلى مصير مجهول مسلط على عنقها؟ ومن يحمي ثلاث أخوات لها من عضل والدهن المثبت عليه في القضية؟!
أين أنتم من قصة الفتاة التي ذهبت لرسول الله صلى عليه وسلم تشكو له تزويج أبيها لها دون علمها؛ فما كان من الرحمة المهداة إلا أن قال لها "اذهبي فلا نكاح لك، أنكحي من شئت" فقالت: "يا رسول الله إني أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أن ليس لللآباء من أمور بناتهم شيء".
الدين الإسلامي بعدالته، وسماحته، ومقاصده الكبرى، وما منحه للمرأة من حقوق يتعرض للتشويه؛ وتلصق به تهم ظلم المرأة واستلابها حقوقها نتيجة هذا الواقع الذي يتناقله العالم اليوم بضغطة زر! ولا عجب حين تصبح أحوال المرأة عندنا وقضاياها هدفا سهل الاقتناص ليدلل به على الجور الواقع على المرأة المسلمة، بينما ديننا العظيم وتعاليمه السمحة براء من كل هذا.