مشاكل التعليم العام مزمنة ومتراكمة ولا يمكن حلها بين عشية وضحاها، ابتداء من المباني المدرسية التي يسير إنشاء الجديد منها في لهاث مع المدارس المستحدثة تبعا لزيادة النسل، ومرورا بتأهيل المعلمين والمعلمات الذي لم يستقر على خطة واضحة منذ أن سمعنا بمفردة التأهيل والتدريب حتى الآن، وانتهاء بالمنهج الدراسي الذي كان ومازال من أوسع وأخصب ميادين التجريب، هذه أمور واضحة ومعروفة منذ سنين طويلة، ولهذا فإن خطط التطوير لن تتم كلها في غمضة عين، فهي تحتاج لزمن وجهد، لكن من المهم أن نبدأ، نخطو خطوة جوهرية في هذا السبيل التطويري ونثبتها ونضع لها كل سبل النجاح ثم تتلوها خطوة أخرى لا تقل جوهرية ونجاحا، التفكير في تحقيق التطوير كله دفعة واحدة لا يفضي إلا إلى التعطيل الكلي، حتى في المناهج الدراسية التي هي مجموعة مقررات، حين نوزع تطويرها بحيث نأخذ مادة واحدة مثل الرياضيات أو العلوم فنؤهل معلميها ومعلماتها في المراحل الثلاث تأهيلا جيدا ونجهز لها البيئة المدرسية المميزة ثم ندخل المنهج الجديد، فإن النجاح سيكون حليفه، أما حينما نضع مناهج مطورة دون معلمين ومعلمات مؤهلين لها ودون بيئة مدرسية جاهزة لها فإن النتيجة معروفة سلفا.

إن تفكيك المشكلة أو المشكلات إلى أجزاء يساعد كثيرا في حلها، ولعلني أجدها مناسبة ونحن في معمعة التطوير التعليمي أن أذكر وزارة التربية والتعليم باللغة الإنجليزية التي لا أظن أحدا يجادل الآن في ضرورة تدريسها من الصف الأول الابتدائي للبنين والبنات، والوزارة نفسها سبق أن أقرت ذلك منذ أكثر من ثمان سنوات، لكنها لسبب أو لآخر تراجعت لتقررها على الصفوف الثلاثة العليا في المرحلة الابتدائية ثم تراجعت لتقررها فقط على الصف السادس الابتدائي وهي تعلم أن ذلك لا جدوى منه، الآن وكما هو مؤمل فإن أسباب ذلك التراجع قد زالت بفعل الزمن وزيادة الوعي، ولعله من المناسب بل والضروري أن تعيد الوزارة قرارها القديم إلى الحياة وتعتمد تدريس لغة العصر للتلاميذ والتلميذات منذ الصف الأول الابتدائي واضعة ذلك في صدارة سلم أولوياتها لتطوير التعليم، سيما أن هذا التطوير كما هو واضح يتطلب زمنا وجهدا وتدرجا في التطبيق، وتدريس اللغة الإنجليزية (وهي مقرر واحد فقط من ضمن جملة مقررات) لاشك أنه تطوير جوهري تحتاجه أجيالنا القادمة بإلحاح بل هو كان مطلوبا منذ عقود وليس من اليوم، ولكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تصل نهائيا. هذه ليست المرة الأولى التي أطرح فيها هذا الموضوع الهام فقد كتبت عنه عدة مرات وكتب غيري، ودار حوله جدل طويل منذ سنين، وأرجو ألا يعترض أحد الآن سبيل هذا المطلب الحضاري الملح. تدريس الإنجليزية لم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار ولا التنظير.