ترجل الأمير سلطان بن فهد عن هرم الرياضة بعد أن أمضى ما يقارب العقدين من الزمان. طلب الإعفاء استشعاراً منه بالمسؤولية عن تدني مستوى منتخب المملكة الأول لكرة القدم وتحديداً في السنوات الأخيرة. القرار الذي اتخذه الأمير يعتبر قرارا شجاعا تمنيت أن يقتدي به بعض المسؤولين في عدد من الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى. الحقيقة أنني لا يمكن أن أغبط من يتقلد مثل هذه المسؤولية الساخنة والمتقلبة عطفاً على نتائج مباراة هنا أو هناك. ولهذا فإنني أتمنى كل التوفيق للأمير نواف بن فيصل سائلاً الله أن يعينه على هذه المهمة التي لا يمكن وصفها إلا بـ "وجع الراس". إنها فعلاً كذلك.

أكثر ما يثير لدي الشعور بالغرابة وأحياناً الضحك متابعة المحللين في القنوات الرياضية في البرامج التي تعقب أي مبارة. فبمجرد دخول الكرة إلى شباك الخصم حتى لو أتت من نيران صديقة "دفاع الخصم" يتحول التحليل إلى برد وسلام وثناء على الفريق الفائز والإدارة والمدرب. والعكس صحيح. فتعثر دخول الكرة في المرمى حتى مع السيطرة شبه الكاملة على المباراة يضع الجميع تحت طائلة النقد اللاذع والتقصير وسوء التدريب. فوز الفريق الأردني على المنتخب السعودي الذي جاء عن طريق ولوج كرة عشوائية لم يتخيل حتى قاذفها أنها ستلج إلى المرمى وضع الأردن فريقاً فائزاً رغم استحالة مقارنة إمكاناته الفنية مع المنتخب السعودي ورغم سيطرة الفريق السعودي الواضحة على تلك المباراة. لكنها كرة القدم كما يقال وما لم تأت الأهداف بأي شكل فلا قيمة للعب ولا للسيطرة.

دعونا نتحدث عملياً ونتساءل، مالذي حدث للكرة السعودية؟ ماهي عوامل تفوقها في الثمانينيات والتسعينيات؟ هل للاحتراف مثلا علاقة مباشرة أو غير مباشرة بنتائج المنتخب في السنوات القليلة الماضية؟ هناك من يقول إن ارتقاء الدوري المحلي وتنامي قوته غالباً ما ينعكس سلباً على أداء المنتخبات الوطنية. ويستدل هؤلاء بمنتخبات عريقة كمنتخب إنجلترا. هذا المنتخب تحديداً ورغم قوة الدوري الإنجليزي إلا أنه هو الأكثر إخفاقاً في أوروبا وهو الأقل نيلاً للبطولات العالمية رغم كل الخبرات العريقة. يا لها من مفارقة نادرة وعجيبة. صحيح أن هذا القول لا يرتقي إلى الوصف بأنه قاعدة بدليل وجود منتخبات وطنية تفوز رغم قوة الدوري المحلي لديها. منها مثلاً ألمانيا وإيطاليا والبرازيل. والذي لا يمكن إغفاله في هذه الناحية أن عطاء اللاعب السعودي في المنتخب قد تدنى قليلاً وبدا واضحاً هذا الهبوط مع نمو مفهوم الاحتراف في المملكة وارتفاع أسعار اللاعبين. هذا اللاعب الذي قد يتقاضى في سنتين 6 ملايين ريال، لم يعد يأبه بمكافأة الفوز. ماذا تعني له هذه المكافأة في مباراة؟ إنها ربما لا تساوي "فراطه" في جيبه. إذاً فإن الشعور الوطني يبقى هو العامل الحاسم في العطاء بعد أن تم تحييد المادة. لكن ماهي مستويات الشعور بالمسؤولية الوطنية لدى لاعبينا؟ لا أعلم ولا يمكن أن أدخل في النوايا.

الحقيقة الأخرى التي قد تتصل بتدني العطاء أن الرياضة في أي مكان تتطلب دعماً مالياً سخياً حتى تحافظ على تألقها، ومن خلال البحث الذي قمت به قبل كتابة هذا الموضوع وحسب مصادر موثوقة لدي أستطيع أن أؤكد هنا أن وزارة المالية السعودية وكعادتها مع العديد من الجهات الحكومية الأخرى، قد ساهمت في تعطيل الكثير من المشاريع التي تقدمت بها الرئاسة العامة لرعاية الشباب على مدى الخمس عشرة سنة الماضية. من هذه المطالبات رفع إعانات الأندية السعودية. تخيلوا أن المبلغ السنوي المعتمد لإعانة أكثر من 150 نادياً سعودياً لا يتجاوز اليوم 57 مليون ريال سعودي بعد أن تم تخفيضه من 117 مليون ريال. وبالرغم من مطالبات الرئاسة المتكررة برفعه مجدداً ليتناسب مع المكان والوقت، لم يطرأ أي تعديل عليه. نحن نعلم أن معظم هذه الأندية فقيرة ولا عقود لديها مع رعاة كبار كما هي حال "بعض" أندية الدوري الممتاز. ووزارة المالية لم توافق بعد على إنشاء ثلاث أكاديميات رياضية تقدمت بمشاريعها الرئاسة منذ ما يقرب من أربع سنوات وكان يفترض أن تؤسس أكاديمية واحدة لكل من الرياض وجدة والدمام. وللمقارنة هاهي قطر أتت بعدنا بفكرة الأكاديمية وأسست واحدة بتكلفة تجاوزت 150 مليون ريال قطري تتولى رعاية الأجيال الشابة من سن 12 و 13 سنة. والمالية أيضاً لم توافق على رفع إعانات الاحتراف ولا رفع إعانات اللجنة الأولمبية التي يعمل بها منذ 15 عاماً ولم تتغير هذه الأرقام ولو حتى بعوامل التضخم.

أنا هنا لا أتحدث دفاعاً عن الأمير سلطان بن فهد فهو ليس بحاجة إلى مثل هذا المقال. الحديث هنا يلامس عن بُعد مشكلة الأداء بشكل عام وعلاقة المستويات الكروية بالعوامل الأخرى المتصلة والتي أشرت إلى بعضها. إنها أيضاً محاولة لإيصال هذا الرأي للأمير نواف وهو الأطلع والأخبر مني بهذه الصعاب. وبمناسبة الحديث عن الأمير نواف، وقبل أن أختتم، أتمنى أن يسمح لي سموه باقتراح البدء فوراً بتخصيص الأندية وتحويلها إلى القطاع الخاص وإعادة تشكيل الاتحاد السعودي للكرة ليشمل بين أعضائه بعض رؤساء أندية يتم انتخابهم وأن يوكل هذه المهمة لفريق عمل متخصص ينتهي في فترة لا تتجاوز سنتين من الآن. لو تم الانتهاء من هذا التخصيص وتمت مراجعة لوائح الاتحاد وتطويرها فستشعر الرئاسة بالكثير من القوة للتفرغ لبقية الأمور الأخرى الهامة. الذي يبدو لي ولأي مراقب أن مشاكل الأندية في وضعها الحالي تسيطر على عطاء وطموح المسؤولين في الرئاسة العامة. ومن هنا فإن التخلص من معظم هموم الأندية والابتعاد عن مباشرة شؤونها اليومية التي لا تنتهي حتماً سيزيح العبء الأكبر عن كاهل المسؤولين. شكراً سمو الأمير سلطان على جهودكم وأهلاً بالأمير نواف.