حتى اللحظة، يقال إن ثلاثة شبان عرب في ثلاثة بلدان مختلفة أحرقوا أو هموا بإحراق أنفسهم مشياً على خطى التونسي الأشهر. هل يصبح ـ البوعزيزي ـ أنموذجاً؟ وهل سيكون إحراق الجسد وسيلة للتعبير عن الرأي لملايين الشباب العربي الذين ينظرون إليه بطلاً وقدوة؟ هذا هو الواقع ـ اليوفوري ـ المأساوي وأنا أتصفح مساء البارحة بعض مواقع التواصل الشبابي على الشبكة في بعض البلدان العربية. وحتى في صلب الهزيمة النفسية يتحد الأضداد.

في دولة عربية أخرى يدعو ـ اتحاد اليساريين ـ إلى التظاهر والعصيان فتخرج ـ جماعة الإخوان ـ على رأس الحشد ثم يحرقون دمية أمام مئات المتظاهرين من الشباب في رسالة رمزية. وفي الحالة العربية كما نقرؤها في الأحداث المختلفة الأخيرة تبدو الصورة واضحة: حكومات قمعية عاجزة وتنظيمات معارضة وشوارع تبث رسائل الإحباط واليأس والتشاؤم.

وصلنا لأن يكون إحراق الجسد ـ قمة التعبير عن الرأي وأبلغ وسيلة للتفكير وأعظم رسالة لبث صورة المثال والقدوة.

تقول الإحصاءات إن سبعين مليون مواطن عربي كانوا على شبابيك السفارات الأجنبية طلباً لتأشيرة عمل أو هجرة في العامين الأخيرين. ربما لا نشعر في الخليج بوطأة هذا الرقم المخيف ودوافع الطلب.

الحقيقة التي لا يقولها أحد أن الفوارق بين أسوأ حكومة أو أقبحها ستكون ضئيلة ونسبية وهامشية. الحق أنه عالم عربي صحراوي شحيح الموارد والثروات، وبكل صدق فما الذي ستفعله أطنان الفوسفات أو معاصر الزيتون من أجل استيعاب هذه الملايين وتوظيفها ومن أجل إطعام هذه الملايين الجائعة؟ وبدلاً من أن تكون القدوة في قصص النجاح الشحيحة أيضاً في هذا العالم العربي أصبحت القدوة إحراق الجسد. ومن المؤسف بمكان أنه في وسط هذا الفقر المادي المخيف في الموارد والثروات فإن هذا العالم العربي يتصدر أيضاً في حجم الفساد: طاولات أكل فقيرة يتصدرها من يود أن يأكل حتى التخمة. وفوق هذا هي تحاول أن تسلب الجائع الفقير المحبط أعظم الغرائز الفطرية الطبيعية التي لا بد أن يعبر عنها الجائع: أن يصرخ ويعبر عن جوعه وفقره. أن يتكلم باللسان لأنهم حين ـ كممَّوه ـ حرك أطرافه ليحرق جسده. تنسى هذه الحكومات أن في يدي ملايين الفقراء والمحبطين في هذا العالم العربي تلك الثروة الهائلة في كل جيب وبيت: أعواد الكبريت.