لم أستغرب وأنا أتابع مراسم زواج أحد الموقوفين أمنيا في سجون أمن الدولة في بلادنا المملكة العربية السعودية، وما حظي به الموقوف من إعانات وتسهيلات لإتمام زواجه، ودعوة أقاربه ومحبيه ليشاركوه الفرحة.
لم أستغرب ذلك لأن الدولة - وفقها الله - تطبق شريعة الله، وينص دستورها على مراعاة حقوق الإنسان، ولأن الدولة تجمع بين الحسنيين: إيقاف الموقوف لئلا يؤذي نفسه وغيره ووطنه، وبذل الجهد في إصلاحه بالحوار الفكري من أهل الاختصاص ليعود إلى جادة الصواب، ومعاملته كما يعامل الوالد الرحيم ابنه إذا أخطأ، يمنعه من الخطأ، وقد يؤدبه عليه، رغبة في إصلاحه، وليس الانتقام منه.
والأمثلة على إحسان الدولة لمواطنيها حتى من زلّت به القدم كثيرة جدا، وما إتاحة الفرصة لأي موقوف أراد الزواج ومساعدته مالياً ومعنوياً، إلا أحد الأمثلة على تلك الرعاية والعناية.
ولا أعلم أن دولة على وجه الأرض اليوم - حتى من يدندنون بشعار حقوق الإنسان- لا أعلم أن أحداً منهم يتيح الزواج لمن أراد من موقوفيهم، فضلاً عن دعمهم ماليا ومعنوياً، ولكن دولتنا السعودية تقوم بذلك مع كل موقوف لديها، باعتبار الزواج، وتوفير الخلوة الشرعية لأي موقوف مع زوجته، من حقوق الإنسان.
ومع ذلك نسمع مشاغبات ومزايدات لبعض من لا يكادون يفقهون حديثا، ممن يضيعون حقوق الإنسان، ثم لم يكتفوا بذلك وإنما يتهمون المملكة بإضاعة حقوق الإنسان، وهذا من الافتراء والفجور في الخصومة، فهم يكسبون إثماً ثم يرمون به بريئا.
وبحمد الله فإن المملكة ماضية قدما في طريقها في نفع البلاد والعباد، ولا تلتفت لمن يفترون الكذب من أهل الزيغ والعناد والفساد، فزبدهم سيذهب جفاء، وأما ما تفعله دولتنا من خير فهو باق نافع، وقد قال الله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
فإن قيل: وهل هذا يعني العصمة من الخطأ والتجاوز؟
الجواب: كلا، دولتنا ليست معصومة، ولكنها وإن كانت ليست معصومة إلا أنها محل الثقة، وليس من شرط الموثوق أن يكون معصوماً، ولو وُجد أي خطأ من أي فرد في أي قطاع في الدولة، فإن ذلك لا يُقَر، بل يُعالَج الخطأ وفاعله، سواء أكان مخطئا
أو خاطئا، والمعالجة تكون بحمد الله وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وقد رأينا ورأى الناس كلهم أن بلادنا السعودية لديها الشجاعة والثقة بالاعتراف بأي خطأ قد يحدث، ومن ثَم معالجته، وهذا الوضوح لا يحدث من منتقدي المملكة، وإنما يقلبون الحقائق، ويضلون الناس، وفي الحقيقة إنما يضلون أنفسهم، ولكنهم لا يشعرون، لأن الشيطان زيّن لهم سوء أعمالهم.
إن المطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يرى أن أحد أصحابه رضي الله عنهم اجتهد فأخطأ، وكان من نتيجة خطئه قتله لأقوام من بني جذيمة، فأعلن النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الخطأ، وتبرأ منه، وسعى في معالجة ما يمكن معالجته وفق الشريعة الإسلامية، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) وودهم النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا هو الهدي النبوي، الشجاعة في البراءة من أي خطأ يقع، ومعالجته، وهكذا فإن كل من تبع النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يكون حريصا على فعل ما ينفع البلاد والعباد، وهو مأجور على ذلك، فإن وقع أي خطأ فإنه يتبرأ منه ويُعالجه.
والمقصود، أن ما يقوم به أمن الدولة في بلادنا من سهر وجهد متواصل في حفظ أمن البلاد والعباد، مع مراعاة حقوق كل موقوف، بل ومساعدته إذا أراد الزواج ونحوه ماليا ومعنويا، وإزالة كل الشبهات الفكرية التي أدت به إلى الوقوع في الخطأ، ليعود إلى مجتمعه وعمله فردا صالحا نافعا للبلاد والعباد، هذا التميز الأمني محل تقدير كل من جعل مخافة الله نصب عينيه، جزاهم الله خيرا، وضاعف مثوبتهم، وهنيئا لهم بشرى النبي عليه الصلاة والسلام المتضمنة أن العين التي باتت تحرس في سبيل الله لا تمسها النار، وهل هناك أعظم من حراسة أمن هذه البلاد التي تضم الحرمين الشريفين ومن يقصدهما من الحجاج والمعتمرين والطائفين والقائمين والركع السجود.