محمد حسب



لا شيء جديد، الإرهاب هو الإرهاب، والإنسان هو نفسه لا يحاول أن يفهم ما يدور حوله. خير مثال على ذلك ما حدث في نيوزيلندا أخيرا، عندما قام الإرهابي المتطرف بإطلاق النار على الأقلية من المصلين العزل، في أهدأ مدينة في الجزيرة الجنوبية من نيوزيلندا، لصالح من وضد من؟ كلٌ له تحليله.

قبل سنتين وصلت إلى نيوزيلندا لأول مرة كزائر لعائلتي المقيمة فيها، ثم أقمت هنا لغرض الدراسة. ما وجدته هو أن الشعب النيوزيلندي أو ما يسمى بالكيوي، شعب يتمتع برفاهية عالية، هم خليط من المهاجرين الإنجليز والأوروبيين، يعيشون بسلام مع السكان الأصليين (الشعب الماوري)، ويحل السلام في هذه الجزيرة البعيدة جدا عن العالم. وعبر هذا الشعب عن صدمته عما حدث من خلال زيارتهم لأهالي الشهداء والجرحى وتقديم المواساة والمعونات الإنسانية لذويهم.

رئيسة وزراء البلاد وصفت الحادث بالإرهابي. وكذلك شاركها الرأي رئيس الوزراء الأسترالي. ووصف قادة دول الغرب الحادث بالإجرامي، وصرح بذلك كل من رئيس الولايات المتحدة ورئيسة وزراء بريطانيا ورئيس الوزراء الكندي. إلا أن الطريف بالموضوع أن هذه الدول تشترك كلها بتبني مشروع موحد وهو العولمة. وهذا الأخير له علاقة كبيرة بما حدث. فنظام العولمة يحاول أن يسحق الأعراق أو على الأقل يخلطها مع بعضها لظهور عرق هجين، ولهذا فتحت هذه الدول أبوابها أمام المهاجرين، وبعض الدول من الاتحاد الأوروبي أيضا، ونلاحظ أن منفذ العملية الإرهابية هو من عرق أبيض، أي ليس من الأعراق المتهمة «دوما» بتبنيها فكرة التطرف الديني الإرهابي كالحركات الإرهابية وآخرها داعش مثلا.

هذا الإرهابي الأبيض ومن خلال التكتيك الذي اتخذه في تنفيذ عمليته الوحشية استطاع أن يوصل رسالته، وجد على قطعة سلاحه أسماء المعارك التي خسر فيها المسلمون على مر التاريخ، وأسماء أشخاص آخرين قاموا بعمليات إرهابية مماثلة ضد المسلمين في كندا والنرويج والسويد.

ورسالته كانت واضحة لا تحتاج إلى شرح وتأويل، فهو يحاول أن يضع نفسه في خانة اليمين المتطرف، وهذا ما تدعي العولمة محاولة القضاء عليه. ونظام العولمة لم يكن بعيدا عن محل شبهة ما جرى. فالإسكندر الأعظم يقول: (استخدم سلاح عدوك، وطريقة تكتيكه، لقتله بها، ثم سيهجم الناس على الجثة ويقطعونها ظناً منهم أنه هو القاتل!). منفذ مجزرة نيوزيلندا كان يدعي التطرف الديني، وتمت قراءة الموقف على أنه رسالة من المسيحية المتطرفة تجاه المسلمين. والحقيقة ليست كذلك. فالديانات السماوية تخلو من التطرف، إلا ما دس فيها من سم مؤخرا. المسيحية ديانة سماوية مقدسة وكذلك اليهودية، والإسلام خير من عبر عن تلك الأديان، ولم يكن هناك خلاف بماهية الأديان الثلاث، لكن الاختلاف بتفاصيل تلك الديانات التي قادتها دول على حساب مصالح أشخاص يتحكمون بمصائرها، ويروح ضحيتها أناس أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم غير قادرين على استيعاب ما يحدث من مخطط إجرامي تجاه الإنسانية جمعاء.