في فوارق الكشف على الفساد تبدو المسألة أصعب من تبسيطها تشبيهاً بفرز التفاح الفاسد. فساد اليوم أقرب إلى توصيف البيض الفاسد. والفوارق ما بين التفاح والبيض لا تحتاج لعظيم عبقرية. فرز التفاح الفاسد لا يحتاج لأكثر من غربلة الكرتون بينما يبدو كل ـ البيض ـ أبيض وكل الفاسد والصالح يقبعان داخل غلاف القشرة البيضاء السميكة. كل البيض برائحة واحدة ويصعب أن تكتشف البيضة الفاسدة إلا بعد خراب مالطا، وبعد أن تتلوى ألماً من التسمم. جل فساد اليوم ومفسديه أقرب للبيض منهم إلى التفاح. الفساد اليوم والمفسدون يتقدمون ذكاء ودهاء على المقياس الاجتماعي بخطوة أو درجة. الفاسد اليوم يتسلح بالقانون حتى لا تكتشف عليه أي غلطة. ودعك من الجدل البيزنطي حول محاربة الفساد: تعال معي إلى السجون حيث المئات في العنبر الأقرب. ستجد كل الطيف ولكنك لن تجد لا (التفاح ولا البيض). سجين لم يستطع سداد أجرة المسكن لعامين، وآخر فشل في سداد أجرة السيارة المستأجرة. سجين بسبب تعاطيه حزمة من القات، وآخر لم يسدد سلفة صديقه القديم المتواضعة. لكنك قد تنتهي من زيارة ـ العنبر ـ دون أن تجد سجناء التفاح الفاسد، أو البيض المتسمم، وهنا تكمن الرسالة الأخطر التي يلتقطها أباطرة الفساد: السجون لا تتسع لشيء من التفاح أو البيض. نادراً جداً ما نسمع أن (بيضة) دخلت إلى سجن، وإن دخلت فسرعان ما تخرج، وللمفارقة، وهي تحتفظ بقشرتها البيضاء المتماسكة. لم نسمع من قبل بأحد فقع هذه البيضة. السجن والعقوبة مشرعة أمام حزمة من القات ولكن ذات العقوبة تتلكأ أمام كراتين البيض، ربما لأن النظام يحاول حماية ـ الفرد ـ من مغبة الإدمان أكثر من خوفه على المجتمع من التسمم بكراتين البيض الفاسد. هنا لا تقرؤوا أبداً ما بين الأسطر ولا يقل أحدكم أبداً أبداً إنني أحاول القول إن القوانين الإدارية أو البيروقراطية جزء من كرتون البيض الفاسد. كل القصة أن حياتي، منزلاً وعائلة ومستقبلاً لا تتقاطع مع حزمة قات لا أعترض على دخولها السجن، ولكن حياتي منزلا وعائلة ومستقبلا تتقاطع يومياً مع كرتون البيض الفاسد.