الهزيمتان المتتاليتان اللتان مني بهما منتخبنا لكرة القدم في كأس آسيا التي تقام الآن في الدوحة وخرج بهما من البطولة في وقت قياسي مبكر قبل أي فريق آخر في مجموعتنا في مشهد لم يحصل لفريقنا في تاريخه الكروي، كشفتا عن جهل شديد لكتابنا (الهدافين) في "الوطن".. الشيحي والدخيل والموسى الذين نظموا هجمات منسقة أمس ليسجلوا أهدافاً في مرمى رعاية الشباب، بغرض تعويض الجماهير الرياضية ـ كما يبدو ـ عن عدم تسجيل هدافي منتخبنا الأهداف التي تتطلع لها تلك الجماهير، والعجيب صراحة هو كيف يكونون هدافين ثم يجهلون بدهيات رياضية ويفقدون صوابهم ويتهكمون بالإدارة الرياضية على ذلك النحو الذي قرأتموه في حين يفترض أن يكونوا أكثر وعياً وفهماً لأصول الرياضة الحقة وطبيعة مساراتها.
ولكن بصراحة لا يلام كتاب "الوطن" ولا غيرهم من كتاب الصحف الأخرى الذين سلكوا المسلك نفسه طالما أن المحللين وقعوا في هذا المطب الكبير أيضاً فقد شاهدت مجموعة من المحللين الرياضيين بعد مباراة الأردن في بعض الفضائيات يصبون جام غضبهم على إدارتنا الرياضية ويتهمونها بمسح كل الأسطر المضيئة لتاريخنا الرياضي، وبالإساءة للمجتمع السعودي، وبوضعنا في موقف مهين، إلى آخر تلك العبارات الكبيرة التي تعبر عن عدم فهم لكيفية أداء المشوار الرياضي.
أما الجماهير الرياضية الذين أرتناهم الكاميرات الفضائية في الملعب بعد نهاية المباراة في غاية الحزن والألم والكآبة وبدلاً من أن يفرحوا ويزغردوا فلا نستطيع توجيه اللوم والعتاب لهم طالما أن حال الكتاب والمحللين في الجهل كان أسوأ.
هؤلاء الكتاب والمحللون والجمهور وقعوا في خلط كبير بين الإنجازات الرياضية والإنجازات الأخرى، بدلالة أن كثيراً منهم يردد عبارة (بطل آسيا) ويقصدون فريقنا، أي إنهم يظنون أن الإنجاز الرياضي لفريق حقق بطولة آسيا أن يظل واقفاً في القمة لا يتحرك.. هل هذا معقول..؟ هل هذا هو الأسلوب الرياضي الحق..؟ لا طبعاً... هذا هو أسلوب الإنجازات في المجالات الأخرى.. أما الرياضة فلا.. الرياضة يا أحبابي الكتاب والمحللين والجمهور تتطلب كي تكون فعالة ومفيدة عندما تبلغ قمة المشوار أن تأخذ المشوار مرة أخرى فتهبط.. وكلما كانت خطواتك الرياضية أسرع في الهبوط كما هو حال منتخبنا كان ذلك أكثر فائدة، فالجري السريع ينشط الدورة الدموية ويرفع نبضات القلب ويقويه ويرفع اللياقة.
وهناك من يظن أن الصعود في المشاوير الرياضية أصعب من النزول، وهذا غير صحيح، فالنزول أصعب من الصعود لأنه يتطلب عناية شديدة، حتى لا تتزحلق أقدام النازل ويتعرض للإصابات الرياضية بعكس الصعود، ولذلك فإذا كانت تلك الإدارة الرياضية التي صعدت بنا في كأس آسيا للقمة وأوصلتنا لكأس العالم، تستحق الشكر على ذلك، فإن الإدارة التي استطاعت باقتدار أن تقودنا في رحلة الهبوط بطريقة الهرولة وأحياناً بالجري السريع دون التعرض للإصابات الكبيرة تستحق أكثر من الشكر وتستحق التصفيق الطويل وليس الهجوم والتهكم الذي قرأته يوم أمس.
ولا تظنوا أن رحلة النزول هذه تمت بسهولة بل بمشاق عديدة وبنضال كبير، لأن رحلة نزول المنتخب لا يمكن أن تتم إلا بشكل متزامن مع رحلة نزول الأندية، فرحلة الصعود التي عايشناها حتى وصلنا إلى كأس آسيا كانت في الواقع بسبب رحلة الصعود التي حصلت للاعبي الأندية، والعكس بالعكس، أي أن رحلة النزول لا بد أن تبدأ من الأندية ولو لم تهبط الأندية من عليائها لما أمكن للمنتخب أن يهبط، وأقول هذا لتعلموا أن الجهود المبذولة والإنجازات المتحققة كبيرة تستحق التقدير والشكر.
ومن فنون الجهل ما سمعته عن انتقاد المعدلات العالية للصرف على الرياضة سواء من الأندية أو الرعاية في ظل هذا النزول في المستويات، فهؤلاء هم أيضاً يجهلون أن رحلة النزول تتطلب من الصرف على الرياضة أكثر مما تتطلبه رحلة الصعود.
تصوروا أيها الكتاب والمحللون الأفذاذ لو أن أحد الرياضيين من هواة صعود الجبال وصل إلى قمة الهملايا، ثم قرر الاحتفاظ بالقمة كما تنادون... فماذا سيحصل له..؟ وتصوروا لو أن عداء رياضياً أو حتى ممارساً عادياً للرياضة صعد مشوار الذهاب، وفي نهاية هذا المشوار الصاعد توقف في القمة وقرر الاحتفاظ بها.. ماذا يحصل..؟؟ طبعاً ستتراجع قدراته وتتراجع لياقته وتضعف دورته الدموية.. إذن فلا بد أن يواصل مشواره ومسيرته الرياضية.. وهذه المسيرة والمشوار الرياضي يتطلبان منه أن يعود أدراجه فيهبط حتى يبلغ السفح ثم يعود للصعود من جديد.. وهكذا.. فهذا هو أسلوب مشاوير الرياضة ومساراتها وليس كما هو حاصل في المجالات الأخرى.
إدارتنا الرياضية قادت أنديتنا أولاً، ثم منتخبنا في رحلة النزول باقتدار واضح حتى أوصلتنا للسفح كما رأيتم مساء الخميس الماضي، حتى نبدأ مسيرتنا من جديد ونبدأ في الصعود كما هي أصول الرياضة، ولذلك فهي تستحق منا الشكر والتصفيق الطويل وليس الهجوم والتهكم فأرجو تدارك الأمر وتصحيح المفاهيم أولاً ثم تصحيح السلوك بتوجيه الشكر لها.
ولأن رحلات النزول أصعب بكثير من رحلات الصعود أيضاً، وتتطلب بذل جهود خارقة فكرية وبدنية فإنه من الظلم الكبير أن تطالبوا هذه الإدارة بتنظيم رحلة الصعود المنتظرة والإشراف عليها لأنها بالتأكيد مرهقة وتحملت الكثير ومن حقها ـ كما هي الأصول الرياضية ـ أن تعتزل وهي في أوج عزها، فاتركوا الأمر لها فهي أعرف.