أظهر التقرير الأخير للبنك الدولي أن السعودية احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة في التحويلات المالية للخارج، كما جاءت في المركز الرابع عالمياً في استقبالها للمهاجرين خلال العام الماضي.
أرقامٌ مُعلنة تصيبك بوجع من عشرة أصفار الدهشة وندب مليارات وطن، جعلتنا نتفوق على دول العالم في ضياع أموالنا، جلبها سلوك طمع قابع في نفوس الكثير منا، من مواطنينا، ورقابة مالية ضعيفة، وحلول ضبابية من وزارة العمل، وشركاء كثر هنا وهناك أدى إلى حوالات يقتنصها وافدونا من أفواه مواطنين يبحثون شهرياً عن ربع حوالة شهرية فقط!
القصة باختصار تكرار سنوي للتحويل بتحليق 90 مليار ريال في العام الماضي قيمة حوالات صادرة من المملكة عن طريق الوافدين إلى خارج حدود وطن، وبحسبة بدائية مُقَسَّمة المتوسط على سبعة ملايين وافد يعيشون بيننا نجد حوالة (افتراضية) لكل وافد تقريباً بثلاثة عشر ألف ريال لشهر واحد فقط، أي أربع رواتب كافية لإطعام أربع أسر، وقبول أربع ملفات (خضراء) تدور رحاها على أقدام الأمل بين راجعنا غداً أو سنكلمك لاحقاً من شركاتنا وبنوكنا التي تسيّر تلك الحوالات ودوائر حكومية، انظروا عند الإعلان عن وظيفة (جندي) في قطاع عسكري والنتيجة كتيبة من الأمن لتنظيم المتقدمين والحد من عددهم، وانظروا إلى توقف نظام موقع ديوان الخدمة المدنية مراراً عند التقديم إلكترونياً إلى مرتبة صغيرة راتبها لا يتجاوز ربع الحوالة الشهرية!
ازدحام شديد على مكاتب التحويل السريع طوال أيام الشهر وبلا حدود، يقف فيه موظفو الصرافة مشدوهين عجباً قبلنا لحجم ميزانية دول تحول شهرياً لاسيما من عمالة لا يتجاوز رواتبها الألف ريال شهرياً ليتضخم المبلغ، و أعتى الجهات لا تعلم من أين لهم هذا؟
هل تكون مافيا لغسل الأموال عن طريق تفتيت مبالغ ضخمة إلى أجزاء صغيرة ونشاطات مالية مشبوهة؟ جزء (مكشوف) من الإجابة لدى هيئة التحقيق والادعاء العام التي حققت خلال عام واحد في 202 قضية غسل أموال فقط، التقطت قضايا التستر التجاري منها المرتبة الثالثة بواقع 50 قضية في قضايا ارتفعت خلال عام واحد بنسبة 20% عن العام الماضي وما خفي من القضايا لا نعلم عنه أيضاً!
تبقى مشكلتنا من الداخل، من الأعماق بدءاً من سوق ومافيا التأشيرات، ومتسترين منا شاركوا في غسل أموال الوطن لعمالة تعمل لحسابها الخاص مقابل فتات مقطوع لضعاف النفوس، والتاجر السعودي هناك يركض مستفيداً من زهد أجور الوافدين ولن يتنازل عن أرباحه المهولة التي يجنيها لأجل توظيف مواطنيه، وشركات كبرى مصنفة بأنها (حكر) لمشاريع الباطن إلى الدرجة الخامسة بالتوالي وفرق أصفار من ميزانية دولة.
نافسنا العالم في استقبالنا للمهاجرين وقوانين العمل والاستقدام والكفالة مكانك راوح لكل من هبّ، لم نضع نظاماً يحترم الوافد فيه حماية هذا الوطن بدءاً من اختياره على أسس ومعايير تتوافق مع سياستنا ومتطلباتنا، أبناؤنا وضعنا لهم مؤخراً اختبارات مقاييس وقدرات واستطعنا أن نهمل وضع ممن لم يتجاوزا ولم نستجب لمتطلباتهم بإسقاط هذه الاختبارات عنهم، جلسوا في منازلهم يصبحون أمام الوزارات بتجمعات ولوحات مطالب يسبقها تسمر بائس يستجدون فيه المسؤولين، وسمحنا تناقضاً بمئات الشهادات المزورة ليكون بائع الفلافل أستاذاً جامعياً, والنجار جراحاً في أشهر مستشفياتنا والقائمة تطول ياوطني.
شبابنا وفتياتنا أكبر شريحة من مجتمعنا وطاقاتهم الفكرية والبدنية تحتاج تأهيلاً أكاديمياً وتطبيقياً ودعم ثقافتهم المهنية وتركيز مدى ملاءمة مناهج التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل من ناحية التدريب العملي مطلب هام في ظل خللٍ واضح لمؤسستنا (الرصينة) للتدريب التقني و المهني المعنية مباشرةً بالتفنن في تخريج أفواجٍ من البطالة العملية والمهنية وخططها (المدروسة) وسعت الهوة نحو شبح البطالة.
أما المليارات المهاجرة فبحلولٍ غير افتراضية ذُكر بعضها في مطالبات تبدأ من تشديد الرقابة البنكية على الأموال المحولة للخارج عن طريق مراقبة الدفع الإلكتروني ومقارنة المبالغ المحولة مع عقود الرواتب الشهرية أعتقد أنها ستكشف المستور وتُمسكنا بخيوط كثير من مصادر غير شرعية للمبالغ المحولة ووجود برامج تقنية رقابية محكمة ستكشف العمالة غير النظامية وأخرى غير مصرح لها للعمل فيها.
وكذلك عمل آلية لتحويلات المقيمين من خلال حساباتهم فقط لتظهر المبالغ غير الشرعية بشكل واضح، تساهم في إعطاء أرقام صحيحة لنسبة السعودة ومواطن الأعمال التي يمكن الاستفادة منها وسعودتها.
نحتاج لعدة برامج رقابية محكمة من قبل مؤسسة النقد والبنوك وشركات التحويل، في ظل فوضى الرقابة البنكية المفترضة أن تشارك في حماية الاقتصاد الوطني من عمليات غسيل الأموال وتجارة الأموال المسروقة، فمفاهيم الرقابة البنكية لا تقتصر على كمية الأموال التي يتم تحويلها بقدر معرفة النشاط الحقيقي للشركات الوهمية التي تدار من قبل أشخاص غير سعوديين وتقوم بتحويل مبالغ طائلة للخارج دون وجود حركة دوران لرؤوس الأموال تبرر وجود أرباح خيالية.
نؤمن أن الوافدين بشرٌ أتوا من بلادهم مغتربين لأجل لقمة العيش فقط، منهم أحبة وأساتذة ساعدوا وشاركوا في مسيرة التنمية لدينا بكافة أوجهها ولم يزالوا، ولكن أن نساعد المتسلقين والعابثين لنمكنهم من هدر أموالنا فهي مشكلتنا نحن فقط لأننا لم نضع نظاماً مجوداً وإن وضعناه لم نطبقه!