تونس الخضراء البلد الهادئ الذي غالباً ما يستشهد به الكثيرون على الاستقرار السياسي والنهضة الاقتصادية، واحدة من أجمل الدول العربية، تعاقبت عليها حضارات البربر والفينيقيين والعرب المسلمين، دولة تستمد قوتها من تاريخها الضارب في الزمن، لكنها تدخل عامها الجديد باضطرابات يمكن أن تشكل تحولا في المنطقة بأسرها إذا لم تكن هناك مسارعة لحل الأزمة بطريقه حضارية ومسؤولة بعيدا عن القمع والمواجهة التي ذهب ضحيتها عشرات القتلى إلى الآن، أزمة بدأت بقصة شخصية حيث أقدم شاب خريج جامعي يعمل نتيجة ظروف البطالة وطلب الرزق، بائعا للخضار والفاكهة، يدعى محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر، على إضرام النار في جسمه أمام مقر محافظة سيدي بوزيد، احتجاجا على قيام السلطات المحلية بمنعه من مزاولة بيع الخضار والفاكهة، وتروي والدته أن إحدى الموظفات الحكوميات بعثرت بضاعته وصفعته أمام زملائه.
هذه هي البداية والبداية هي البطالة المتفشية بين أوساط الشباب التونسي الجامعي تحديدا والتي وصلت إلى الخُمس أي ما يعادل نصف مليون عاطل، وهو عدد كبير تم تجاهله في البداية ليكون اليوم رقما صعبا في استقرار المنطقة.
الأحداث ليست ذات بعد سياسي في بداياتها لكن هذا لا يعطيها جانب تهميش بل يزيدها خطورة لاسيما إذا عرفنا أن كثيراً من الثورات والحروب كانت بداياتها اجتماعية، والمتابع للأحداث التونسية يرى مدى الإحباط الذي وصل بالشباب التونسي من جراء البطالة والتي قادته إلى الانتحار وإحراق النفس في تمثيلٍ لأقصى حالات اليأس التي وصل اليها هؤلاء الشباب بسبب التجاهل وعدم الإصغاء الجيد لمتطلباتهم.
ولعل ردة فعل السلطات التونسية مما زاد النار اشتعالاً فهي أرادت قمع صور الفوضى وتحجيم حالة الغليان لكن بالأسلوب الخطأ وهو الضرب والقتل وهو أسلوب لا يمكن استخدامة اليوم في العقد الثاني من الألفية الثانية وفي عالم التكنولوجيا والإنترنت والصورة الحية، وهو الأمر الذي فاقم المشكلة وأسهم في تسييسها.
البطالة من أكبر الأخطار التي تهدد الاستقرار في المنطقة العربية حيث بلغت نسبتها في 2009م بحسب ما ذكره مدير عام منظمة العمل العربي أحمد لقمان 14%، وهو رقم يجب التوقف عنده من أجل استقرار المنطقة وسلامتها أولا، ومن أجل تنمية مقدرات شعوبها ثانيا.
المنطقة العربية سواء في المغرب العربي أو المشرق لديها منظمات إرهابية متطرفة تملك من سحر الحلول الكثير من الكلام الذي يمكن أن يخدع شباب المنطقة في الانطواء تحت هذه المنظمات لاسيما إذا وصل إلى حالة اليأس التي رأيناها في تونس من خلال إحراق أربعة شبان أنفسهم بالنار! وهم بذلك وصلوا إلى حالة من اليأس الذي من السهل السيطرة فيه على تفكير الشخص لاسيما من خلال أسس وقواعد دينية تخفى على معظم الناس وهو ما يجعله صدمة سريعة لإخضاع هذه الفئات إلى الانطواء تحت مظلة هذه الجماعات، لاسيما إذا عرفنا أن المحرك الأول لهذه الفئة هو السخط الاجتماعي من الأوضاع الاقتصادية المتردية وهو مؤشر على عدم وجود أي وعي سياسي أو انتماء حزبي سابق لهم.
إذن، تونس ليست وحدها المعنية فما حصل في تونس انتقل بسرعة إلى بلد الجوار الجزائر وربما غدا المغرب وليبيا، لذا لا بد من السعي العربي إلى إيجاد حلول لمشاكل البطالة الجامعية لدى الشباب، إذ إن وجود بطالة بين شباب جامعيين هو أحد مؤشرات الاختلال الاقتصادي في منظومة أي دولة، ولعل من المعروف أن أحد أكبر الطرق للمنظمات الإرهابية في تجنيد كوادر جديدة هو البطالة واليأس الذي يصل إليه الشاب من قدرته على بناء حياة جديدة وآمنة ومستقرة، وإذا عرفنا أن تونس تعيش فترة استقرار أمني وبعد عن أهداف الجماعات المتطرفة فإن الأحداث الأخيرة فتحت بابا جديداً يمكن أن تستغله هذه الجماعات كما استغلته في دول أخرى ووجدت من خلاله موضع قدم.