الأزمات تصنع الرجال، هذا ما فعلته أزمة الاحتجازات التي خلفتها الأمطار التي هطلت على العاصمة خلال الأيام الماضية بمجموعة من شباب الرياض عندما وقفوا على أنقاض منازل بدائية، وشاهدوا دمارا حل بها وموتا كاد يحدث، تجمعهم رسائل مجموعتهم عبر الموقع الاجتماعي "الفيس بوك" ورسائل "البلاك بيري"، فما كان منهم إلا أن عقدوا العزم على فعل شيء لتغيير الحال، فكان فريق "جسد واحد" الذي يضم الآن قرابة 1000 متطوع ومتطوعة من السعوديين والمقيمين، والأطفال والكبار، والمعلمين والطلاب، عاطلين عن العمل ومهندسين وأطباء.. كلهم استجابوا لدعوة الحب والأخوة والعاطفة، فكرسوا وقتهم وجهدهم ليكونوا عونا لإخوانهم، منهم من أنقذ الأرواح وبحث عن مفقودين ورعى الأسر وأوصل المعونات، ومنهم من نظف الشوارع ونظموا حركة السير المرورية.
كان لهذا الفريق دور كبير في نشر ثقافة التطوع، كما كان للكارثة دور في كشف حقيقة شباب وأهالي الرياض، الذين تركوا منازلهم وأعمالهم متجهين إلى كافة أنحاء الرياض لتقديم كل ما بأيديهم لمساعدة الأسر وإطعام بعضهم ممن كاد يموت جوعاً.
تنظيم العمل
وقال المتحدث الإعلامي باسم مجموعة "جسد واحد" التطوعية مشاري الهاجري لـ"الوطن" أمس إن العمل في المجموعة مقسم إلى مجموعات بحيث يتولى شخص واحد مسؤولية حي على أن يطلب من القائمين على المجموعة احتياجات الحي من مؤونة ومن المتطوعين الذين يقومون بالأدوار التطوعية فيه، إضافة إلى تنظيم حركة السير المرورية بالحي الذي تقع به الاختناقات المرورية.
وبين الهاجري أنهم واجهوا خلال اليومين الماضيين حادثة اختناقات مرورية بسبب الأمطار التي هطلت، وقام مجموعة من المتطوعين بتيسير حركة السير إلا أنهم قاموا بالاتصال على إدارة المرور لإرسال فرقة ميدانية لمساعدتهم على ذلك خصوصاً أن بعض المواطنين لا يعون أن من يقوم بالمهمة رجال متطوعون إلا أن إدارة المرور قالت "سوف يتم ذلك قريباً". وكانت هناك سيارة تابعة لهم عالقة في وحل من المياه، فقام متطوعون آخرون بإنقاذهم.
مطالبات تقنية
وقال الهاجري إنهم طالبوا بالدعم من قبل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وذلك عبر إمدادهم بالأجهزة اللاسلكية لتسهيل عملية تنقلهم خصوصاً أن العمل في صالح المواطن. وأردف قائلاً "نتوقع أن يتم دعمنا من قبل الوزارة، فنحن طلبنا ذلك من قبل مديرية الدفاع المدني الذين وعدونا بتوفير 20 جهاز برافو لاسلكيا، إضافة إلى 15 سيارة جيب لسهولة التنقل إلا أن ذلك لم يحصل حتى الآن".
وأشار الهاجري إلى أن سيارات الدفاع المدني تفتقد للكثير من المتطلبات الأساسية للحالات الكارثية من كشافات ضوئية وخرائط للمواقع ومن القيادة داخل المواقع، مؤكداً أن أغلبية الأعمال التطوعية التي قاموا بها كانت عبارة عن إنقاذ رجال الدفاع المدني ذاتهم أو مركباتهم، وهم الذين يفترض أن يكونوا في أماكنهم.
أعضاء المجموعة
وكشف الهاجري عن أن المجموعة لم تشكل من الرجال وحدهم، وإنما كان للجانب النسائي دور في ذلك من خلال تسجيل 100 عضوة في المجموعة، مؤكدا أنهن قمن بتوزيع ملابس وفرش نوم وسجاد أرضي على منازل في حي العود صباح أول من أمس إلا أنهن تعرضن لحالات تحرش الأمر الذي دعاهن للانسحاب من الموقع في ظل عدم وجود فرقة أمنية مساندة لهن.
وأكد عضو مجموعة "جسد واحد" التطوعية محمد عبدالكريم لـ"الوطن" أن المجموعة تعاني من عائق يقف عثرة في وجه أداء عملهم التطوعي ويتمثل في عدم وجود ضابط أو فرد من أفراد الدفاع المدني تكون له صلاحية قوية لفرض دخول المتطوعين للميدان ومساعدة المواطنين دون أن يعترض عملهم أحد الأفراد الذين لا يعون أدوارهم في الميدان والصلاحيات التي منحهم إياها مدير عام الدفاع المدني في المملكة الفريق سعد بن عبدالله التويجري.
وتمنى عبدالكريم أن يتم إيجاد جمعية تحمل مسمى "التطوع" بالمملكة لكي يتم تسهيل عملها بشكل يسير على أن تكون مهامها التطوعية شاملة لكل الجهات الحكومية سواءً كانت مساندة للدفاع المدني أو المرور في عمليات تنظيم حركة السير في الأزمات وغيرها.
من جانبهم، قال العضوان عبدالمجيد الباتلي، ومحمد الأحمد من مجموعة "جسد واحد" ويحملان مؤهلات تتناسب مع عملهما التطوعي من شهادات في أمن السلامة ودورات في الإسعافات الأولية لـ"الوطن": مرحباً بمن يقول إن مجموعة جسد واحد تحاول القيام بنفس الأدوار التي قام بها المتطوعون في كارثة جدة، فبذرة الخير موجودة في جميع أبناء الوطن مهما كانت سلوكياتهم.
ويقول عضو المجموعة أحمد البصيص بطل ملحمة إنقاذ عائلة مكونة من 17 فرداً كانت محتجزة جراء هطول الأمطار بحي النظيم إنه كان عائدا مع 6 أشخاص آخرين إلى منازلهم بعد عدم تعاون أفراد رجال الدفاع المدني معهم إلا أن أحد المواطنين استوقفهم، وقال لهم إنه سمع صوت استغاثة من نساء وأطفال على بعد 3 كيلومترات مشياً على الأقدام، فتوجه إلى رجال الدفاع المدني لإنقاذ العائلة بطائرة هليوكوبتر، إلا أنهم قالوا إنهم ذاهبون لإنقاذ زملائهم من منسوبي الدفاع المدني الذين علقت مركبتهم، إضافة إلى أنهم غير متأكدين من وجود عائلة في الوادي للذهاب إلى هناك، وأن الطائرة لا تخرج في مثل هذه الأجواء الممطرة.
وأردف البصيص لـ"الوطن" أنه والأشخاص الآخرين معه عزموا على النزول للوادي وإنقاذ العائلة الساعة الـ 12 مساءً وأخذوا بصحبتهم كشافات ضوئية لإنارة الطريق والتلويح للعائلة لحظة القرب منها لكي يشعروا بأن هناك أشخاصا قادمين لهم، وأنهم قطعوا 5 أودية جارية بمياه الأمطار إلى أن وصلوا إلى العائلة، ووجدوا أن هناك فتاة تعاني من حروق من مادة الأسيد. وكانت قد عملت عملية تجميل قبل أيام، إلا أن سقوط عازل المنزل "الشينكو" عليهم وتبلل ثيابهم بالأمطار "أزم" جرح الفتاة وجعلها تعاني منه طيلة المساء، إضافة إلى وجود امرأة حامل وطفل يعاني من دخول مسمار في إحدى رجليه.
وأضاف أنهم قاموا بعمل إسعافات أولية للعائلة بمساعدة أحد أفراد المجموعة الذي سبق أن تخرج من دورة في هذا الشأن.
وأكد البصيص أنهم هاتفوا رجال الدفاع المدني الموجودين في موقع حي النظيم وزودوهم بمكان العائلة وأتت إليهم المروحية عند الساعة الرابعة والنصف فجراً حيث تم نقلهم إلى جهة آمنة بالطائرة التي أقلت العائلة فقط دون المتطوعين، وأخبرونا بأنهم سوف يخاطبون زملاءهم لكي يقلونا إلى نقطة المركز، ولم تأت المساعدة ، الأمر الذي دعانا إلى الرجوع مشياً على الأقدام دون مساعدة تذكر.