أكرم العولقي



أجمل ما يشعر به الكاتب من إحساس إنساني فائق، حينما يجد مقاله منشورا في الصحافة، فذاك شعور لا يفقه كنهه سوى سدنة الأقلام.

فالكتابة في عالم الصحافة حياة ومبدأ وقيمة، وتعد الكتابة فنا من فنون الحياة السامقة، ولعل القراء والمفتونين بمعنى صحافتهم مع قهوة الصباح، لا يكتمل لديهم المعنى اليومي لمعيشتهم إلا بقراءة كُتّابهم المفضلين.

الكتابة الصحفية في الحياة العامة ضرورة لا يقل معناها أو أهميتها عن أي مؤسسة عامة أو مجتمعية، وكفاها أنها تمثل أداة نقدية للمؤسسات والمنشآت ومسؤولياتها وأدائها، ولعلها بمنهجيتها وآليتها تمثل القدرة على صناعة حراك التطوير في المنشآت العامة والخاصة، فتصبح في استمرارية البحث عن الأفضل والخوف من فشل الأداء، وهل كله لا يمكن إنجازه إلا في عالم الكتابة الصحفية. ومن هنا، تمكّنت من تمنهجها كضرورة في عالم الحياة اليومية!.

يتوهم بعض البشر أن الكُتّاب لا يصنعون جهدا في إبداعيتهم الكتابية، وربما يتعجبون من معاناة بعض المبدعين في اختيار العنوان، أو إعادة الكتابة عشرات المرات والمرات. فمعاناة الكاتب ونزاعه مع قلمه قضية إبداعية وإنسانية تتمنهج مع معاني الكتابة والقلم، فيصبح الكاتب قلقا مع إنشائه الإبداعي وربما يجد في ذاته شيئا من الاطمئنان حين يجد الرضا والقبول في ردود قرائه وتفاعلهم مع قلمه وكتاباته. فالكتابة في صورتها الأخرى، هي فن اختلاق الإثارة والتشويق، وحشوها في أعماق الكلمة، وفن اقتحام المجهول من عوالم البشر ومجتمعاتهم المتعددة، وثقافاتهم المتباينة. والكاتب الألمعي هو من يكتب حتى يثير الرأي العام بقلمه، ولكنه أيضا يمتلك في كينونته ملكة الرقابة الذاتية، فلا يسقط قلمه في وحول السطحية والسذاجة، ولا يتجاوز مسؤوليته بفرطية النقد وانتهاك الشخصية، ففي وعيه ميزانٌ ذوقيٌ يتفهمه، أن بعض القضايا لا يستسيغها القلم في الكتابة، ولا تصلح أن تسطر بين أوراق الصحافة!.

بعض المقالات الصحفية تختزل كُتبا قيّمة في أعمدتها، وبعضها يُكتب بماء الذهب عندما يمثل تجربة إنسانية ثرية ومشبعة بتراكم الخبرة الإنسانية، بينما يقدم بعض الكُتاب عرضا خصبا لرؤيته النقدية تجاه الحياة أو المؤسسات، أو ربما يمتلك مشروعا فكريا متكاملا يعرضه لقرائه عبر مقالاته الصحفية. فالكُتاب عموما رائعون فيما يقدمونه في دنيا الصحافة والأقلام، سواءٌ في دهاليز السياسة أو مَن أوصلته علاقاته العامة ومحسوبياته الشخصية إلى مجرد كاتب إنشائي لا يخجل من حشو زاويته اليومية!.