أرسل أرخميدس ـ حسب قول مجلة المعرفة الموسوعية ـ رسالة بعنوان (الطريقة The Method) إلى صديقه (إيراتوسثينيس) الفلكي في الإسكندرية، الذي حسب محيط الكرة الأرضية بفارق أمتار عما نعرف الآن (القطر 12756 كلم والمحيط 40 ألف كلم تقريبا بمساحة 510 ملايين كلم مربع وحجم 6 مليارات مليون مليون طن متري وبسرعة 100 ألف كلم في الساعة في دوران حول الشمس بـ 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية.) وكانت مدرسة الإسكندرية يومها قد أخذت مركز الإشعاع العقلي، بعد أن أصبحت أثينا في يد الديكتاتورية الرومانية الأوليجاريكية. وحيث الاستبداد يخسف بالعقل..

وحسب كتاب (الكون) لـ (كارل ساغان) الروسي، فصل (شواطئ المحيط الكوني) فقد لمع في هذه المدرسة فضلا عن أرخميدس ما لا يقل عن درزينة من العلماء اللامعين؛ مثل (هيبارخوس Hipparchus) الذي وضع خرائط النجوم وقدر إضاءة النجوم ذاتها. و(إقليدس) الذي وضع أسس علم الهندسة التقليدية، وبقيت صامدة حتى حطم الهندسة التقليدية (ريمان) الألماني ولوباتشوفسكي الروسي (راجع فلسفة العلوم محمد عزام)، وهو الذي قال لمليكه الذي كان يجهد في حل مسألة رياضية صعبة: سيدي لا يوجد طريق ملكي إلى الهندسة. و(ديونيسيوس Dionysius) الذي أرسى هندسة الكلام. فهو من حدد أجزاء الكلام، وفعل في دراسة اللغة ما فعله إقليدس في علم الهندسة، وهو الذي أصدرت اليونسكو سابقا سلسلة شهيرة باسمه، وكانت تصلني مترجمة، حتى توقفت كما يتوقف كل شيء في عالم العربان، وكذلك توقفت الريدرزدايجست التي كانت تصدر مترجمة من قبرص فماتت عند العرب. و(هيروفيلوس Herophilus) الفيزيولوجي الذي أثبت أن الدماغ وليس القلب هو مركز الذكاء. و(هيرون) الإسكندري مخترع القطارات ذات التروس (الدواليب المسننة) والمحركات البخارية، ومؤلف كتاب (الأتمتة) الذي هو أول كتاب عن أجهزة الروبوت. أما (أبولونيوس Apollonius) فهو أبو القطوع والمخاريط!! كالقطع الناقص والمكافئ والزائد، وسميت كذلك لأنه يمكن الحصول عليها بقطع الشكل المخروطي بزوايا مختلفة، وبعد 18 قرنا استخدم (يوهان كبلر) هذه المعلومات لفهم حركة الكواكب لأول مرة، ووصل إلى قوانينه الثلاثة الشهيرة، التي ينص الأول منها على أن حركة الأرض حول الشمس تتم على شكل إهليلجي وليس دائريا والثاني السرعة والبطء بالبعد والقرب من الشمس والثالث مربع زمن الدوران ومكعب البعد في تناسق وتطابق. و(بطليموس) الذي كان عبقريا يمكنه أن يعدل آراءه، ولكن رؤيته للنظام الشمسي ورّطت الكنيسة والعقل البشري والتقدم العلمي بكوارث كاملة حتى خرت قبة الكنيسة فوق البابا والكرادلة بمعول كوبرنيكوس. ويقابله (أريستارخوس Aristarchus) الذي أكد أن الأرض هي أحد الكواكب وتدور مثلها حول الشمس، وأن النجوم موجودة على مسافات كبيرة جدا، ولكن الذي حدث أن فكرة بطليموس هي التي سادت بسبب تبني الكنيسة لها.. شاهدا على أثر العقائد والمؤسسات الدينية في نشر لون من الفكر الإنساني.

ويشهد للتوجه الحر الجغرافي الإسكندري (سترابو Strabo) الذي قال ساخرا عن أولئك الذين يتحججون بالمحيط عن الدوران حول الأرض، إن المانع هو في عقولهم وإرادتهم أكثر من مياه المحيط. "لقد عادوا بسبب الافتقار إلى التصميم وندرة المؤن" وهو ما قاله أيضا (إيراتوسثينس) إنه إذا لم يكن اتساع المحيط الأطلسي عائقا فإننا نستطيع أن نعبر البحر بسهولة من ايبريا إلى الهند..

ومنهم امرأة يقال لها (هيباتيا) سقطت شهيدة في أزمان التعصب الكنسي فافترضوا هرطقتها، ويرتبط استشهادها مع تدمير مكتبة الإسكندرية بعد سبعة قرون من تأسيسها..

ومن أعجب الأمور أن كولومبس درس أفكار ايراتوسثينس وسترابو وحسب محيط الكرة الأرضية بشكل مغشوش لإقناع العائلة المالكة في إسبانيا بسهولة الرحلة وكبر غنائمها، ولكن الغش هو الذي غير العالم كما نعرف من رحلة الجنون التي قام بها هذا المجنون.. فالجنون يحكم العالم. ويقول ساغان معقبا على مدرسة الإسكندرية التي أصبحت للتاريخ بهذه الجملة الحزينة: "كانت الإسكندرية خلال 600 عام التي بدأت منذ عام 300 قبل الميلاد هي المكان الذي انطلقت فيه الكائنات البشرية في المغامرة الفكرية التي قادتنا إلى تخوم الفضاء. إلا أنه لم يبق شيء يمكن مشاهدته والإحساس به من تلك المدينة الرخامية المجيدة، فالظلم والخوف من التعلم أزالا كل شيء تقريبا من ذاكرة المدينة القديمة".

وفي ديسمبر 2010 م تفجرت الأرض تحت المكتبة والكنيسة والناس في جنون الإرهاب والتعصب والاستبداد.. من كل صنف شيطانان.