يتفق الغالبية من الناس على أن نشر الشائعات المغرضة أو الأخبار السيئة عن الآخرين هو عمل غير أخلاقي بل غير إنساني، ورغم ذلك نجد أن الغالبية (أنا من ضمنهم)، ساهمت، وتساهم، أو سوف تساهم يوما ما بهذا الفعل المشين، متى؟ حين نمرّر خبرا ما دون أن نتأكد من الحقائق أو المصدر، حين نعير أحدهم أذنا صاغية ونحن نعلم، أو على الأقل لدينا شك بمصداقية ما يقوله! والله أشعر أننا نتصرف وكأننا أجّرنا عقولنا مقابل أعذار واهية، مثل: ما دخلي أنا؟ الخبر لا يعنيني؟ هو وضع نفسه في دائرة الضوء إذن عليه أن يتحمّل كل ما يأتيه، وأخطرهم على الإطلاق: لا يوجد دخان من غير نار! نعم معهم حق ولماذا نصرف من وقتنا في البحث عن الحقيقة، إنه خبر كغيره؟! ثم إن هذا الشخص مسلٍّ، لديه طريقة في سرد الأحداث مما يرفع عنا ثقل هموم يومية، يأتي هو، أو هي، ويعطينا قسطا من الراحة لننسى ما نمر به! وإن حدث وتعرضنا إلى صحوة ضمير وعارضنا ما يقال، يرد ناشر الشائعة بأنه لم يكن يقصد الأذية، وأنه حين جاءنا بالأخبار "الدسمة" كان مؤمنا وقتها بأنها صحيحة، يا سلام! ليقدم إذن هذا العذر لمن انتهت حياته العملية أو الزوجية أو لمن ذبحت من قبل أحد أقربائها بسببه حين ردد أن ابنة الجيران رأتها تخرج من عمارة وخرج بعدها بثوان شاب معروف عنه أنه زير نساء، أو يصرف على أسرة فقدت مصدر رزقها لأن ابن عم أحدهم، من؟ لا ندري ولكنه أكد أنه رأى حشرة في المطعم "الفلاني"!

القاعدة تقول: "اكذبْ اكذبْ تصدّقْ"، ومن ثمّ تؤخذ الكذبة على أنها حقيقة ترسخ في أذهان الناس، ما الذي يجعلها تسري كما تسري النار في الهشيم؟ المشاعر؛ الحزن، الغيرة، الحسد، الحقد، الألم، التعاطف، الضجر، سلبية كانت أم إيجابية ولكنها تظل مشاعر، يعرف كيف يوظفها البعض للتوصل إلى أغراضهم الدنيئة، أو السخيفة، أعني هنا من يريد فقط أن يسخر من جهل البعض ورؤيتهم يردّدون ما يعلم هو أنه غير واقعي وخالٍ من الصحة، ولكن كما قلت من قبل.. للتسلية وقضاء الوقت! وتستمر التمثيلية مع "كلمة في الأذن"، مع بريد إلكتروني آخر.. وشائعة أخرى...وكذبة أخرى!

كيف تبدأ؟ الشائعة عادة ما تبدأ بـ "قرأت في مكان ما أنّ..." أو "سمعت من شخص ما أنّ..."، وقبل أن يتنبه الناس تتحول الشائعة إلى حقيقة لأنها وصلت من شخص موثوق، ربما لم يأخذ الوقت للتأكد، ومرّر الخبر، ونحن لحاجتنا إلى إجراء المقارنات الاجتماعية، حسب قول الدكتور جاك ليفين، الأخصائي في موضوع الشائعات، حين نقرأ مثلا الأخبار السيئة عن المشاهير في الصحف، أو نتحرى أخبار بؤس جيراننا في السكن أو زملائنا في العمل، خاصة إن كانت الأخبار بشعة، فمن خلال ذلك نجد أن مشاكلنا تبدأ بالتّقزم أمام ما يعانيه الغير!

كل ما يحتاجه ناشر الشائعة هو أذن تسمع أو عين تقرأ، وشخص أو شيء كي ينشره، يجب ألا نسمح له بذلك، حين لا يوجد مستمع أو قارئ لن يجد أرضا يسمّمها، ومن أجل حماية أنفسنا وحماية حقوق الغير من التعدي، لنتأمل الأسئلة التالية التي قد تساعدنا على تقرير ما يجب أن يقال أو لا يقال، يسمع أو لا يسمع: هل سأساهم في تدمير سمعة الشخص في ترديد هذه المعلومة؟ هل الأفضل ألا أردّدها حتى لو كانت حقيقة؟ هل سوف يتعرض أحدهم للتوبيخ إن أنا رددت هذا؟ ما هو الدافع الحقيقي خلف ترديدي مثل هذا الخبر؟ هل أنا أريد أن أبني أم أهدم، أجرح أم أداوي؟ هل سأتسبب في خلق دائرة الشك حول شخص ما حين أردّد؟ هل المعلومة صحيحة؟ هل يوجد أي أساس للخبر؟ هل هذا خبر أم تلميح لشيء آخر؟ هل ما أردّده سيخلق من شخص ما إنسانا جديدا، أو ينفعه؟ هل الخبر إنجاز لشخص ما؟ هل هو خبر عن توبة أو عودة إلى الطريق السليم؟ ولو كانت التوبة حقيقية، أليس من الأفضل ترك الأمر بينه وبين ربّه؟ هل أنا أساعد صاحب الشائعة بالإصغاء أو الترديد؟ هل أعتبر مشاركاً في الجريمة بمجرد السماح لمثل هذا الفعل إن تركته يمر دون تنبيه أو محاسبة؟ هل سأشعر بالسعادة حين أترك الشائعة تنتشر؟ هل أساهم في تعزيز خصلة سيئة في شخصية من يهمني أمره؟ أو هل أنا أتحول إلى شريك له في الشر؟ هل يمكنني وبضمير حي أن أقول إنني صديق من أتركه يلوك ويلوّث حياة الآخرين الخاصة؟ هل أصبح شريكا في تسبب قسوة أو انحلال البعض ممن نشر عنهم شائعات لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة؟

ماذا ننتظر؟ كم من الشباب الصالح يجب أن يتحول إلى متشكك، يمشي في طريق الضياع من جراء ترديد الأخبار غير الصحيحة أمامه؟ إنّ تدمير سمعة الآخرين أشد من القتل.. كم من البيوت يجب أن تهدم، كم من مستقبل يجب أن يتبخّر، وكم من رزق يجب أن يضيع، قبل أن نستيقظ؟! التاريخ علّمنا وما زال يعلّمنا أن الشائعات تسببت في اغتيالات شخصيات عظيمة، في سجن الأبرياء، وأحيانا كثيرة في ضياع أوطان، إنها سمّ قاتل ينخر في جسد الأفراد، والمجتمعات والشعوب! إنها ليست مجرد كلمات عابرة إنها سهام قاتلة، إن نحن أسأنا التقدير وتخلّينا عن الضمير مع التفكير، إذن فلنستخدم الكلمة في نقل ما يساهم في الشفاء والتشجيع، في البناء وفي توحيد الصفوف، دعونا نستخدمها لإخماد الحرائق لا إشعالها، ولنتخيل أننا الشخص الذي تدور حوله الشائعة، من تؤلف حوله الأخبار لتدمير سمعته أو الاعتداء على دينه أو وطنه، على معتقداته وإيمانه، على حياته المهنية أو الأسرية، ونتساءل حينها كيف سيكون شعورنا؟ هل سنقف بكل سلبية أم نواجه ونوقف هذه الفتن التي هي أشد من القتل؟ ولكن تبقى دائما الكلمة الأخيرة لصاحب الحساب يوم الحساب، فإن لم نخشَ البشر، وضعنا يوما في سراب اسمه الحياة فلنتذكر يقينا اسمه الآخرة.