• في أصل خلق الله للناس أنهم ليسوا جسداً واحداً، ولا روحاً واحدة، وهكذا لن يكونوا على رأيٍ أو ذوق واحد، والذي يفرض رأيه وذوقه وكلمته على الآخرين سيكون مثل الذي يفرض على الناس أن يلبسوا زيّاً واحداً، غير عابئٍ باختلاف أبدانهم. في بيتي لا أفكر في تسمية كلمتي ولا في تصنيفها، وبداخل هذه الكلمة يقين تام أن التداعي في التعبير الذي لا يؤطره تصنيفٌ أو شكلٌ مسبق هو أسمى حالات الكتابة، أن لا أنشغل بقالب الكلمات عن معنى الكلمات وروحها نفسه.
• ماذا عن الشعر؟ ببساطة أفكر أن الشعر معنى مؤثر في كلامٍ فوق الكلام، مهما كان الشكل الذي خرج فيه، قد يجتمعان وهذا جميل، لكن وجود المعنى المؤثر والعميق في كلامٍ فوق كلام لا يخرجه من الشعر.
• ولماذا يختلفون على أشكال الشعر؟ أعني أولئك الذين يتحاربون على قوالب (القصيدة العمودية، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر).. برأيي أن الأمر يتعلق باختلاف الاعتقاد الداخلي بماهية الشعر من شخصٍ لآخر. أذكر ذات يوم أن نقاشاً دار من هذا النوع فقال أحدهم مثالاً أعجبني كثيراً ليشرح به رأيه في الشعر: (الفُلّ.. إذا عقدته بخيط ونظمته مع بعضه ليكون عقداً فهو فلّ، وإذا نثرته سيبقى هو نفسه أيضاً.. فلّ، لن تتغير حقيقته). أعجبني المثال كثيراً. قال آخر: (ولذلك فكبار قريش، أهل اللغة وصناديدها، حين سمعوا القرآن قالوا عنه فوراً إنه شعر، بالرغم من أن القرآن لا يلزم وزناً ولا قافية، بل وتعمّق هذا الوصف عندهم لدرجة أن الله نفاه عن نبيه وأنزل "وما علمناه الشعر وما ينبغي له".. وهنا أشير تحديداً إلى ماهية الشعر التي كان الجاهليون ينظرون من خلالها للكلمات، هذا وهم مصدر اللغة والكتابة وأصل التراث.
• لست مع قصيدة النثر ولا ضدها، إنني مع أن اختلاف ماهية الشعر من شخصٍ لآخر والتي لا تنفي الشعر ذاته، بل إن هذا الاختلاف والنقاش مهم واستمراره أكثر أهميه، فهو الذي يمكن من خلال نموه بشكل متحضر وواع التمييز بين ما هو شعري وعميق ومؤثر، وبين ما هو ساذج وركوب على ظهر اللغة لا غير.
http://www .youtube.com/watch?v = HOJER uo KSZ8
• الشعر.. الشعر في بيوتنا، في كل غرفة وقطرة ماء، وفي كل نفس، وليس هنالك قلبٌ خال من قصيدة. أما رأيتم الأطفال كيف يفرحون بالكلمات الجميلة، وكيف يجعلونها أجمل؟.