عندما يعيش مجموعة من الناس عشرات السنين في فوضى شاملة (سداح مداح) بأنظمة ضعيفة لا تنفذ، ويتصرف كل على هواه، فتكثر (الخناقات) والصدام، والحوادث المأساوية، والأمراض، والوفيات، ثم فجأة يخرج لهم دكتاتور (من تحت طقاطيق الأرض) فيعقد العزم على تعديل (الحال المايل) فيضع القوانين الصارمة، ويطبقها بالحديد والنار (ما فيه يمه ارحميني) ولا (يا بابا سامحني)، فماذا تتصورون ردة أفعالهم خلال الأشهر الأولى..؟
أتذكر أن واحداً من جيل الأجداد روى لي حكاية طريفة ملخصها أنه كان في شبابه يدرس في (الكتّاب) عندما كان المعلم (مطوِّع) وكان المطوِّع هو الكل في الكل، يتولى العملية التعليمية من الألف إلى الياء، وكان (مطوِّعهم) سمحاً أكثر من اللازم مبتسماً طيلة الوقت (ما يحرك ساكن) وكل اللي يسويه (الله يصلحك) (الله يهديك)، ولذلك كان الشبان في الفصل لا يهدؤون.. هذا (يرفس) هذا، وهذا يضحك في وجه هذا، وهذا يقوم ويطارد هذا، ثم فجأة ذهب هذا المطوِّع السمح وجاء مطوِّع آخر (أقشر)، واهتال من تلك الفوضى، فقرر استئصال الخلل، ووجد أن العصا هي الحل في زمن (لنا العظم ولك اللحم)، فأحضر في اليوم التالي (خيزرانة) و(استقعد) لهم كل من تحرك لشطه، وكل من رفع رأسه لشطه، وكل من تنفس لشطه، ...فماذا تتصورون الذي حصل لهم؟
حالنا الآن أيها الإخوة مع (ساهر) مثل حال هؤلاء الناس مع الدكتاتور، ومثل حال أولئك الشبان مع مطوِّعهم الأقشر، فقد كنا نعيش حالة فوضى عارمة، حوَّلنا شوارعنا إلى ميادين سباق، وساحات تفحيط، مئة وعشرين، ومئة وخمسين، ومئة وثمانين، ومئتين، ونكسّر الإشارات، ونسير على الأرصفة، كفر في الشارع، وكفر على الرصيف، ونتصادم، ونتهاوش، والحق معي، وأنت غلطان، وكثرت حوادثنا ومصايبنا، وصارت عيادات الطوارئ ما تلحِّق، وموتانا من الحوادث صاروا أضعاف ضحايا حروب العرب مع الصهاينة، وفجأة خرج علينا من (تحت طقاطيق الأرض) حضرة الدكتاتور (ساهر) ومعه الخيزرانة.. إذا مشينا (45) لشطنا، وإذا مشينا (75) لشطنا، وإذا قطعنا الإشارة لشطنا، وإذا وقفنا على خط المشاة لشطنا يعني صار يلشطنا في (الطالعة والنازلة)، فصار حالنا مثل حالة الشبان لما بدأ المطوع يلشِّطهم، بعضنا ثار على ساهر وصار ينتقده، وبعضنا صار يشتمه، وبعضنا فقد توازنه وصار يطالب بإيقافه، وبعضنا صار (يمشي على العجين وما يلخبطوش)، وبعضنا اقتنع أن الدكتاتورية أحسن من الفوضى، وبعضنا صار مثاليا أكثر من اللازم، وأطرف حالة واجهتها لواحد بعد ما لشّطه ساهر داخ على الآخر، كنت في طريق الملك فهد من شمال، والسرعة القصوى فيه (120) وكان صاحبنا على مهله 60 أو 70، وفي المسار الشمال، اقتربت منه علشان يفسح لي المجال وأتجاوز، ولكن ما فيه فايدة، نبهته بالنور وما فيه فايدة، ثم رفع يديه وهزها وكأنه يقول (وش تبي..؟) ثم هداه الله، وأفسح لي الطريق، وبعد أن حاذيته وجدته ينظر لي ويهز يده ويريد أن يقول لي شيئاً، ففتحت النافذة لأسمع ما يقول، فوجدته (يهوش) علي ويقول هو أنت ما تدري عن ساهر؟ ويؤشر لطبلون سيارته ويقول 70 وش تبي أكثر من هذا.. يعني صاحبنا (فاكر) أن الـ 70 سرعة قصوى في كل الشوارع حتى الطرق السريعة مثل الملك فهد ، يعني ساهر لشّطه لين داخ.
يا إخواني.. في عام 2010 أوجدنا مشاريع كثيرة، وأظن أن من أفضلها وأكثرها تأثيراً وفائدة لحياتنا مشروع (ساهر)، صحيح أنه (دكتاتور) و(مفتري) وفيه سلبيات كثيرة تحتاج معالجة، وصحيح أن نظامه المالي بدون شفافية، فلم يُعلَنْ عن الشركات التي تولت التشغيل ولا طبيعة العلاقة معها، ولا كم مبلغ العقود، ولا كيفية تلك العقود.. يعني (ظلام في ظلام).. ولكن مع كل هذا هو مثل الحبيب، وضرب الحبيب كما تعرفون مثل (أكل الزبيب)، فإذا لشّطكم ساهر فينبغي أن تعرفوا أنه يمنعكم من سلوك قد (يوديكم في داهية)، وإذا اكتشفتم أنه لشَّط أحد أولادكم عدة مرات فاعلموا أن هذه وسيلة تهذيب وحماية من المصائب، ولكن هذا لا يمنع من القول إن دكتاتورنا الحبيب جار علينا بعض الشيء، وما عبَّرنا، وما أفصح لنا عن حاجات مهمة، وكان بإمكانه أن يكون صارماً معنا ولكن بحكمة حتى يزداد (حبنا له) ولا يكرهه الشباب ومن في حكمهم من أصحاب العواطف الجياشة، كان بإمكانه أن يتدرج معنا في تحديد السرعة وفي مبلغ العقوبة ويوفر أداة عادلة للاعتراض ويكون شفافاً كما ينبغي، حتى يكسب الجميع.
منذ عدة أيام كنت قادماً من خارج الرياض عبر طريق سريع، وفجأة دخلت في شارع واسع بمسارين لكن يبدو أنه غير سريع، فحاولت أن أتبين الحد الأقصى للسرعة فيه فلم أجد ما يوضح لي ذلك، وفجأة وكان الوقت لحسن الحظ ليلاً ـ لمحت نور كاميرا ساهر يضيء المكان بشكل متلاحق، وكانت في الرصيف الأوسط بين المسارين، أي مثل المنشار (طالع واكل نازل واكل) ، فوقفت أمامها بجانب الرصيف وبدأت أتأمل المشهد، فلاحظت أن أغلب من يصطادهم ساهر ليسوا مسرعين كثيراً، في حدود الثمانين أو الخمسة والثمانين، والشارع واسع والمسارات واسعة وقليل الإشارات ومتفرع من شارع سريع.. طيب يا دكتاتورنا الحبيب (ساهر) نحن حديثو عهد بـ(نظامك) فعاملنا بما يتطلبه ذلك، وارفع معدل عدلك وإنصافك.. ضع لوحات كبيرة واضحة تحدد السرعة القصـوى في بداية كل شارع متفرع من شارع آخر، وفي أماكن مناسبة في الشوارع الطويلة، وارفع معدلات السـرعة القصوى في تلك الشوارع الواسعة القليلة الإشارات من 70 إلى 80 على الأقل، وأعطنا نسبة سماح 5% وضع برنامجاً متدرجاً لمبلغ العقوبة، ووفر آلية توفر حق الاعتراض لمن يشاء تنتهـي بمحكمة عادلة وكن شفافاً في نظامك المالي وأوجد حلاً لمأزق خطوط المشاة عند الإشارات، فقد كانت الإشارة الصفراء سابقاً مأزقاً في حد ذاتها لا يتمكن الإنسان من قبلها الوقوف بشكل طبيعي، ثم جاءت مخالفة الوقوف على خط المشاة الأحمر لتكون مأزقاً حقيقياً، فإما أن تقطع الإشارة أو تقف على الخط الأحمر (إن وقفت طقك الغار وإن قعدت كلك النار)، ارفق بنا أيها الدكتاتور، وإذا اعتدنا على أنظمتك الصارمة و(حسن إسلامنا) فافعل ما تشاء.