بصراحة؛ هل لدينا مشكلة مع فهم المسؤولية الأسرية؟! أو أزمة في استيعاب ما يعنيه الشريك بمؤسسة الزواج التي يبنيها الزوجان داخل المجتمع؟! أم أنها "فحولة مستفحلة" تُعاني من الفراغ الذي يتم إسرافه في "لعب البلوت" أو "السمر" مع الأصدقاء؛ ليتحول للاشتغال في "زيجات التيك أوي" لممارسة فحولة "مُستغفلة" لقيم الرجولة لدى أصحاب الطاقة العجيبة؟! ولو كان وقت تنفيسها هو "الظهيرة" الذي استُحدث له مسمى "الزواج النهاري" كما تناولته صحيفة المدينة في استطلاعها يوم السبت الماضي؛ ويصبح ضمن أطباق "الجنس المباح" في السعودية؛ والمفجع أن تجد الذين لا يدركون حجم إهدار قدسية معنى "الزواج"؛ يبيحون زواجا يُمكن "خياطته" خلال ساعتين نهاريتين! هل يعقل هذا؟! ويأخذ موقعه ضمن القائمة الغرائبية التي تطول لدينا: مسيار ومصياف ومسفار وابتعاث ووناسة و"الله يستر" مما سنخترعه في قادم الأيام لعلاج مأزق الفحولة؛ وأخشى ما أخشاه أن أسمع يوما بزواج "مِعياد" يتناسب مع الأعياد، وزواج "مِسواق" نسبة لزوج سائق يقضي المشاوير، وزواج "مِحرام" يوفر محرما للمرأة لتحصل على التوقيع بأهليتها.. إلخ.

السؤال الأكثر صراحة؛ كيف يُقبل لدينا ونحن نزعم أننا مجتمع فاضل يعقد زيجات بهكذا طريقة مستهترة؟! فالرجل الذي يُقبل على هذا الزواج غالبا ما يكون متزوجا؛ إذا لا يعاني من كبت "فحولي"!! ولكنه لا يستطيع مواجهة زوجته التي تحسب عليه الساعات خارج البيت؛ ولا يجد سوى وقت الظهيرة يأخذها من استراحة الغذاء أو الصلاة في عمله!! ليمارس دوره كزوج "نهاري" لزوجة "نهارية"، وهي كثيرا ما تجبر على هكذا زواج إما هروبا من جحيم الأسرة، أو لحاجاتها لمن يُوقع أوراقها، وربما لحاجة مادية! ولا أبرئ أيضا أن هناك نساء يبحثن عن علاقات "ميكانيكية" لا تحمل معها مسؤولية أسرية ولا قيودا في خروجها ودخولها!! لكن ما أستغربه؛ هو سكوت خطباء المساجد والشرعيين مما ينبرون لنا في كل حين على أمور متواضعة تعرفونها جميعا؛ ويسكتون عن هكذا استهتار في شرعنة زيجات أقرب منها للحرام من المباح؛ فهكذا زواج لا يبني أسرة، ولا ينهض بتربية أطفال، ولا يستمر إلا أسابيع أو شهورا؛ فأي زواج هذا الذي يربط الزوجين لمجرد ساعتين نهاريتين!! لا عاطفة ولا رحمة ولا مودة ولا حتى احتراما لإنسانية كل منهما؛ وإنما ملء فراغ بما هو من الفراغ!! والضحية حتما هي المرأة التي باتت في مثل هذه الزيجات أقرب لـ"سلعة" اليوم تتزوج هذا وغدا ذاك وهكذا؛ والضحية الأكثر ضياعا هم الأطفال الذين يولدون في هكذا علاقة ميكانيكية موبوءة بالنكران والشهوة واللامسؤولية!!

أخيرا؛ ما زلت أتذكر امرأة ثلاثينية صادفتني مرة في السوق وعرفتني ككاتبة هنا؛ تطلب مني الكتابة عن زواج المسيار الذي دمر بيتها؛ ولا أنسى عينيها المنقبتين وهي تحكي لي باكية بحرقة زوجها الذي هجر مضجعها منذ سنتين حين بدأ في زيجات المسيار؛ واحدة إثر أخرى! إنه أمر مقزز أن يصل حالنا لهذا الوضع من الاستهتار بقيمة الزواج؛ ولكن المفجع أن يمر في ظل سكوت من لا يسكتون عن وجوب أكل الطعام باليد اليمين وشرب الماء بعد البسملة.