كنت قد كتبت سلسلة مقالات حول التركيب الكيميائي لمادة القات، والآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية والجنسية المترتبة على استخدامه في ضوء تقارير منظمة الصحة العالمية.

اليوم أكتب في ظل العفو الكريم الذي منحه- مؤخراً- سمو النائب الثاني وزير الداخلية لسجناء قضايا القات؛ نأمل أن يكونوا قد استثمروه في مراجعة النفس كيلا تعود لممارسة نفس الخطأ من جديد، كما نأمل أن يستفيدوا من هذه المكرمة لينخرطوا في مجتمعهم الذي ينتظر وجودهم إلى جوار أبنائهم ليشرفوا على تربيتهم وتعليمهم ومتابعة علاقاتهم الاجتماعية، لتحقيق النمو السليم في وطنٍ يحتاج إليهم ويحتاجون إليه.

أرى أن إدمان القات يخضع لعاملين رئيسين: عامل عضوي، وآخر نفسي؛ وأقصد بالعضوي: حاجة الجسم إلى المادة المسببة للإدمان. والنفسي: حاجة النفس إلى تعاطي القات؛ أي بالإمكان التخلص منه بمجرد الإرادة (النفسية)؛ وهذا دليل على أن حاجة الجسم لاستخدامه (عضوياً) كمدمن تكون ضعيفة مقارنة بالحاجة النفسية، حيث نلاحظ أنه بمجرد مغادرة المدمن المنطقة التي يتوفر فيها القات فإنه ما يلبث أن ينساه، بينما إذا عاد إلى نفس المنطقة، وإلى نفس المكان الذي اعتاد الجلوس فيه لمضغ القات فإنه ما ينفك يبحث عنه (نفسياً) خاصة مع وجود الأصدقاء الذين كان يجلس معهم، ويدخل هذا في إطار الأنماط الاجتماعية التي تلعب دوراً رئيساً في تعاطي القات.

ولتأكيد العامل النفسي نلاحظ أن السجين نفسه أثناء فترة قضاء محكوميته داخل السجن لا يحتاج جسمه إلى مركبات القات الكيميائية (عضوياً)، ولا يحتاج إلى علاج على النحو الذي يحتاج إليه مدمن الهيروين أو الكوكايين من رعاية طبية خاصة كالتي يوفرها مستشفى الأمل.

لذلك أرى أن نواجه المشكلة بشكل علمي بالتعاون مع الجامعات وكليات الصيدلة ومراكز البحوث.

كما أقترح على لجنة التوعية بأضرار القات بجازان- التي أنتمي إليها كعضو متعاون- أن تدعم برامجها بالدراسات الإجرائية من واقع مجتمع متعاطي القات على أسس عضوية ونفسية واجتماعية معاً، وبمشاركة المنظمات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات؛ ثم نسأل أنفسنا بعد ذلك: هل نحن بحاجة إلى (مستشفى نفسي اجتماعي) لمعالجة تعاطي القات، يكون أقل كلفة من مستشفى كمستشفى الأمل، أو على الأقل مستوصف، أو حتى مركز على غرار مراكز مكافحة التدخين.

أقصد: بما أن النفس والمجتمع طرفان رئيسان في تعاطي القات، فلماذا لا يكونان طرفين رئيسين في العلاج.