منذ أن يصدر الأمر السامي بتعيين الوزراء ونوابهم ومن في درجتهم تنهال عليهم التهاني والتبريكات وتفتح لهم جميع الأبواب الرسمية والخاصة وتتهافت على استقطابهم معظم المنتديات والندوات والمؤتمرات والمجالس الأدبية والثقافية والاقتصادية وتحرص الجامعات بل تتسابق على تضمين برامجها الثقافية وأنشطتها التعليمية من ندوات ومؤتمرات على استقطاب بعض الوزراء لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في بعض الحوارات العلمية وتتسابق وسائل الإعلام على تغطية هذه المناسبة وهي عادة اشتهرت بها الدول العربية عند زيارة المسؤولين لإحدى المؤسسات الجامعية أو غيرها. وما زلت أذكر عندما كنت طالباً في الجامعة عندما زارنا أحد الوزراء قبل حوالي أربعين عاماً بعد انتظار الجامعة لموافقته لمدة قاربت الستة أشهر حيث أشعرتنا إدارة الجامعة بزيارته وتعطلت الدراسة يومها واجتمعنا طلاب وأعضاء هيئة التدريس في إحدى القاعات المحدودة العدد لنستمع إلى كلمة الوزير التي لم ولن أنساها حتى اليوم حيث كانت بالفعل محاضرة علمية مغلفة بالخبرة العملية تجاوزت مدتها ثلاث ساعات لم نكل أو نمل منها وبالفعل شعر أساتذتنا آنذاك أنهم تلاميذ مثلنا أمام أستاذ اقتصاد عالمي استطاع أن يفتح لنا نافذة على الاقتصاد العالمي. وتمر الأيام والسنون ويحال ذلك الوزير إلى التقاعد وتخرجنا من الجامعة ثم ابتعثنا لإكمال دراستنا العليا في الولايات المتحدة وعدت للتدريس في الجامعة في كليتي بكلية الاقتصاد والإدارة في جامعتي. وحاولت أن أكرر فكرة دعوة نفس الوزير المحال للتقاعد لإلقاء محاضرة لأبنائنا الطلبة في الكلية بعد أن كبُرت وتضاعف عدد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في الكلية والجامعة إلا أن طلبي ورغم متابعته شخصياً لمدة عام كامل لم يحظ بالإجابة حتى تاريخه، وتمر الأيام وتنتقل خدماتي إلى وظيفة أمين عام الغرفة التجارية الصناعية بجدة وأراد عميد كلية الاقتصاد والإدارة آنذاك دعوتي لإلقاء محاضرة عن العلاقات التجارية الخارجية للمملكة، وبالفعل وافقت وتم تحديد اليوم والساعة وقبل ساعات من المحاضرة اعتذر أخي وزميلي سعادة العميد عن دعوته للمحاضرة بسبب عدم وصول موافقة لإلقائي المحاضرة. تألمت وحزنت على موقف الجامعة فبالأمس كنت أستاذاً في الكلية أدرس فيها نهاراً وليلاً وبعد صدور قرار نقلي لعملي خارج الجامعة أصبحت ممنوعاً أو محرماً علي إلقاء محاضرة في نفس الفصول الدراسية التي كنت أدرس فيها إلا بموافقة عليا. لكنني عذرت زملائي في الكلية أو في الجامعة لأن المشكلة ليست بيني وبينهم وإنما المشكلة في الحقيقة هي في اللوائح الأكاديمية المنظمة للعمل في الجامعات وأحياناً تكون المشكلة في النظام، مع العلم أن النظم واللوائح قابلة للتطوير حسب الحاجة لها وحسب مقتضيات الظروف وتحتاج إلى مراجعة مستمرة لتتماشى مع التطور الحديث. وبعد مرور عشرات السنين على هذه الوقائع كنت أظن أن اللوائح في الجامعات تطورت مع تطور التقنيات الحديثة في الاتصالات عبر الأقمار الصناعية مما ساهم في تطور النقل المباشر من جميع أنحاء العالم لمحاضرات وندوات ومؤتمرات ولإلقاء المحاضرات من بُعد بل من أقصى وأبعد نقطة في العالم لأي شخص أو أشخاص في أي موقع تتواجد لديهم وسائل التقنية، إلا أنه وللأسف أبلغني أحد الوزراء السابقين في الأسبوع الماضي وهو أحد القيادات الجامعية سابقاً بأنه لم تتحقق رغبته في قبول دعوة كليته للتدريس فيها رغم أن إجراءات طلب الموافقة أخذت وقتاً طويلاً ولم تأت حتى تاريخ هذه المقالة تألمت كثيراً وغضبت على اللوائح والأنظمة التي تحرمنا من رجال متميزين يجمعون العلم والخبرة والمجتمع في أمس الحاجة لهم ولعلمهم وخبرتهم ليعودوا للتدريس في الجامعات السعودية بعد أن تنتهي مهمتهم ومسؤولياتهم خارج الجامعة وهم قادرون على العطاء والخدمة ونحن في أمس الحاجة لهم كيف نسمح لبعض الدكاترة الوزراء السابقين في بلاد مجاورة أن يدرسوا في جامعاتنا من خلال التعاقد معهم ولا نقبل وزراءنا السابقين لأن يدرسوا في جامعاتنا؟ ولا أعتقد أنه بانتهاء فترة عمله كوزير تسحب الثقة والكفاءة فهو مواطن قبل كل شيء وهو كفاءة علمية قبل أن يصبح وزيراً. إن تجربة دول العالم المتقدم إذا رغبنا أن نكون من ضمنهم هي تجربة ناجحة يستعينون برؤساء الوزارات والوزراء المتقاعدين وكبار المسؤولين المتخصصين في التدريس في الجامعات وفي المؤسسات التعليمية الأخرى وتتم الاستعانة بهم أيضا في بعض الاستشارات.

إن مطلبي اليوم لا ينحصر في السماح للوزراء الأكاديميين بالتدريس في الجامعات إذا كان لهم الرغبة وهناك احتياج للجامعات لعلمهم وخبرتهم بعد تقاعدهم وإنما هو مطلب عام بطلب السماح لجميع المسؤولين وزراء ونواب وزراء ومدراء جامعات وحملة الدرجة الممتازة ووكلاء الوزراء والسفراء السابقين بالتدريس في الجامعات السعودية فنحن أولى بعلمهم وبخبرتهم ولا أعتقد أن هناك أي مبررات مقنعة لمنعهم من التدريس إلا بموافقة عليا . لأن تدريسهم لن يكون بإعادة تعيينهم على وظيفة وإنما يتم من خلال التعاقد معهم.

كما أن مطلبي الثاني هو رفع القيود على الجامعات في استضافة رجال الأعمال ومسؤولي الدولة المتخصصين لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في الندوات والمؤتمرات وإعطاء الصلاحيات لمدراء الجامعات ووكلاء الجامعات وعمداء الكليات في اختيار ودعوة من يرونه مناسباً من داخل المملكة وخارجها.

إن الجهود التطويرية في الجامعات السعودية التي يقودها أخي معالي الأستاذ الدكتور خالد العنقري تدفعني اليوم بالتمني عليه بمنح الجامعات ومدراء الجامعات مزيداً من الحرية للانفتاح على المجتمع المحلي والدولي. كما أنني أتمنى سرعة تبني نظام الجامعات الجديد الذي أقر في مجلس الشورى في دورته السابقة.