إنه عنوان الكتاب الذي خطه الفيلسوف عبدالرحمن البدوي، وهناك لغز غير مفهوم تماما عن أمرين، لماذا نشأت الفلسفة تحديدا في أرض اليونان، بغير قيود دينية ومحرمات لاهوتية بل بفكر حر تماما؟
والأمر الثاني لماذا تحديدا حدثت هذه الوثبة الروحية في القرن السادس قبل الميلاد؟
وحسب كارل ياسبرز الفيلسوف الألماني من المدرسة الوجودية فهو يرى أن هناك عصرا يحدد هذه الانبثاقة الروحية في تاريخ الإنسانية، وأنها لم تكن موجودة فقط في أرض اليونان، فقد ظهر مثيلها في وقت متعاصر في أماكن شتى في الأرض هو يعيد السؤال الثاني من جديد لبدايته، وهو ما يسميه كارل ياسبرز العصر المحوري في التاريخ، الممتد بين عام 200 و 800 قبل الميلاد، وفيه ظهر طاليس (Thales) في أرض اليونان، بكلمة أدق في الساحل المواجه حيث تركيا الحالية في الميناء الحيوي ميليتوس (Miletus)،بنفس الوقت ظهر زرادشت في فارس، وكونفوشيوس ولا وتسي في الصين (Lao - Tse)، والاوبانشيد (Upanishads) وبودا في الهند، وطائفة من الأنبياء العبرانيين في فلسطين، بالإضافة إلى هوميروس صاحب الإلياذة والأوديسة والتراجيديين والفلاسفة في بلاد الأغريق.
يوصف طاليس بأنه كان من نجوم ربيع الفلسفة في أرض اليونان وبأنه كان رجلا عمليا حاول فهم الطبيعة الأولى التي يتكون منها الكون، فوصل إلى أن أصل الأشياء هو الماء، وهو بهذا اقترب وأصاب من أن الماء هو المركب الأساسي للمخلوقات، وفي هذا وردت آية سورة الأنبياء (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون) وأقرب ما يكون لفكرة السقف المحفوظ الدرع الكهرطيسي الذي يخرج من باطن الأرض فيغلف السماء ويعطي اتجاه البوصلة إلى الشمال دوما.
عاش طاليس حكيما ومفكرا ومهندسا وفلكيا يبحث في العلم أكثر من الأساطير، وتنبأ بكسوف الشمس عام 585 قبل الميلاد وكان الناس يرتعبون منه، كما جاء في رواية كولومبس حين خاف أهل الجزر من كسوف الشمس فطلب الطعام منهم كي يتشفع عند إله الكسوف فيزول، فضحك عليهم وأعطوهم الزاد والراحلة لكسوف سوف ينقشع بعد فترة قصيرة، فملأ كولومبس سفنه بأطايب الطعام من قوم بسطاء لا يفقهون.
يعتبر طاليس واحدا من رهط من فلاسفة ذلك الربيع الذي ضم عباقرة من أمثال اناكسيماندر الذي ذهب إلى أصل الحياة من الماء وأن أصل البشر من سمك.
وبيثاغوراس الذي رأى العالم في صورة أرقام، وهيرقليطس صاحب المبادئ الأربعة أن أصل الحياة النار، وأن الكون تدفق وتغير، ومن وضع قدمه في النهر مرتين لا يبقى نفس النهر، وأن الكون يقوم على توازن عادل، وهو في هذا يؤكد منطق القرآن أن الكون لم يخلق عبثا بل بالحق، وأخيرا كان يرى الرجل أن الحرب هي أم التاريخ وأبوه، تدفع شعوبا للسيادة وأخرى للعبودية.
ويكمل هؤلاء السوفسطائيون الذين كانوا يريدون نقل المعرفة مبسطة للعوام، وكذلك الذريون مثل ديموقريطس ولوسيبوس..
كل هذا تشكل وتخمر قبل أن تبدأ رحلة النضج على يد الثلاثي المشهور بالتسلسل سقراط وأفلاطون وأرسطو.
ويبقى سقراط الفلتة العقلية أو طفرة التفكير المدهشة فهو من أثار العقل إلى القمة، ومن أفكاره تولدت عشرات المدارس الفلسفية.. مثل الأبيقوريين والكلبيين والرواقيين..