أصبح التعليم صناعة كبرى في جميع أنحاء العالم، وأصبحت الكفاءة التعليمية ذات ارتباط وثيق بالقيمة الاقتصادية للدول، بل إنه أصبح ذا ارتباط وثيق في تقدم الدول سياسيا واقتصاديا، ولذا فإننا نشاهد أن الدول التي تهدف لتكون في مصاف الدول المتقدمة، تهتم كثيرا في تعليمها وصناعته من جميع الجوانب، وهو أمر يبدو واضحا في تزايد الأموال المخصصة للإنفاق على التعليم.

ويقصد بالكفاءة في مفهومها الاقتصادي الحصول على أكبر عائد ممكن بأقل جهد ومال وفي أسرع وقت. وبمعنى آخر الحصول على أكبر قدر من المخرجات التعليمية الجيدة التي تحقق الأهداف المنشودة من التعليم، باستخدام الحد الأدنى من المدخلات، أي التقليل من المصروفات على التعليم دون التأثير عن نوعية المخرج.

ومن هنا، يتضح ارتباط الكفاءة الإنتاجية التعليمية بالإنتاجية ارتباطا وثيقاـ إذ إن الإنتاجية تعني نسبة المخرجات إلى نسبة المدخلات.

ودائما تعمل المؤسسات التعليمية والتربوية إلى الوصول إلى الأهداف المنشودة من التعليم، بحسن استخدام للموارد والعناصر التعليمية المتاحة، بأفضل صورة وأقل وقت وجهد، مع توازن بين نسبة المدخلات إلى المخرجات، فالتعليم يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات التي تحتم على القائمين عليه العمل على إستراتيجيات تساعد في المحافظة على نسبة المخرجات إلى المدخلات في التعليم، مع إحداث نقلة نوعية في التعليم بالاستفادة من الموارد المتاحة بأفضل صورة.

والمعلم من أهم العناصر في هذه المدخلات، وعليه اعتماد كبير في العملية التعليمية والتربوية، ولذا وجب الاهتمام في إعداده وتطويره بشكل كبير، لأن خير استثمار هو الاستثمار في الموارد البشرية، إذ هي من تفتح أمامنا السبل الأخرى وتطورها، فإعداد المعلم وتدريبه وتطوير قدراته وزيادة خبراته يوفر لنا عنصرا بشريا ذا كفاءة عالية، قادرا ومتحمسا، يساعد المنظمة ويرفع من كفاءتها ونجاحها، في الوصول إلى تحقيق أهدافها.

وحينما نلاحظ التعليم لدينا ومدى تأثيره وتحقيقه للأهداف، نجد أن هناك قصورا في ذلك، ولعل من أحد أسباب ذلك هو تراجع أداء المعلم، ومن أهم أسباب هذا التراجع هو عملية إعداد المعلم في المملكة العربية والسعودية، وعملية تطويره وتدريبه، لذا تم طرح هذا السؤال: هل المعلم صناعة أم اجتهاد؟، وحتى أبين إجابتي حول هذا السؤال، سأقوم باستعراض بعض التجارب الدولية وكيفية الاستفادة منها، خلال  إعداد المعلم في الكليات والمعاهد:

- تؤكد التجارب أنه كلما كان إعداد المعلم في دراسته ومدتها ونوع الشهادة المطلوبة للالتحاق بالتعليم، مع تطويره المهني الجيد، كان بقاؤه أطول وأداؤه أفضل في مهنة التعليم، فمثلا:

- في الولايات المتحدة يحصل المعلمون على البكالوريوس والتربية على مدى 4 أو 5 سنوات، «40% تقريبا منهم لديه درجة الماجستير و10% تقريبا منهم لديه درجة الدكتوراه».

- وفي إنجلترا يتم إعداد المعلم في كليات جامعية متخصصة، 4 سنوات مع الحصول على شهادة الامتياز وشرف العمل في المهنة، أو بعد حصول المعلم على إجازة جامعية غير مختصة بالتربية، تتبعها درجة الدبلوم في التربية ومدتها سنة كاملة، ويحمل نسبة 20% من المعلمين درجة دكتوراه، ويراعى في إعداد المعلم مستوى الصف الذي سيعلمه، فنجد إعداد معلم المرحلة الابتدائية وفق معلم صف 4 سنوات، وإعداد معلم الثانوي بإحدى التخصصات العلمية رياضيات، فيزياء، كيمياء، وإعداد مهني تربوي عاما واحدا بعد دراسته التخصص.

- وفي فرنسا يعد المعلم الذي سيوجه للتدريس في مدارس الحلقة الأولى في 3 أعوام، ومعلمو الحلقة الثانية يتم إعدادهم جامعيا حتى درجة البكالوريوس، ثم يتقدمون للحصول على ما يعرف باسم C.A.P.E.S، هؤلاء الطلاب يقضون عاما دراسيا في التدريب التربوي، أما معلمو الثانوي فيتقدمون بعد الدرجة الجامعية لمسابقة مخصصة، وهي أصعب بكثير من المستوى السابق، وبعد اجتياز الامتحان يقضون عدة أسابيع في التدريب التربوي.

- وفي اليابان يدرس في المرحلة الثانوية العليا الحاصل على درجة الماجستير.

أما معلم المراحل الأخرى فيدرس 4 سنوات في الجامعة ليحصل على شهادة الصلاحية للتدريس بعد 6 أشهر من تخرجه ليعمل في مهنة التدريس، وتشبه المقررات الدراسية التي يتلقاها الطلاب المعلمون، لتلك التي يتلقاها نظراؤهم في الولايات المتحدة.