عندما كنت صغيرة في بداية الثورة الإيرانية، لم تكن هناك حركة نسائية حقيقية في إيران، وكان من غير العادي مناقشة هذا الأمر علنا. لم يكن الأمر عاديا لأن الناشطين السياسيين الذين كانوا يتعرضون للسجن بسبب آرائهم السياسية غالبيتهم من الرجال.
كانت السياسة مساحة ذكورية بامتياز، ولم تكن المرأة تستطيع الدخول إليها في ذلك الوقت. كان لدى المجتمع فكرة سلبية عن النساء اللاتي يتعرضن للسجن على خلفية سياسية. وبسبب المفاهيم الاجتماعية والثقافية لدى الشعب الإيراني، حتى لو كان هناك امرأة سجينة من عائلة ما فإن هذه العائلة عادة تخفي هذا الأمر ولا تطلع أحدا عليه مطلقا.
في عام 1982، عندما تعرض خالي ـ رحمه الله ـ وكان عضوا في الحرس الثوري، للاعتقال بتهمة التآمر ضد النظام، أذكر أنني رافقت والدتي وزوجة خالي لزيارته في السجن، وكنا نحمل حقيبة مليئة بالطعام والملابس النظيفة. على باب المعتقل، انتظرنا لساعات طويلة قبل أن يسمح لنا بزيارة خالي.
الآن، وبعد 31 سنة على قيام الثورة، تغير الوضع كثيرا وأصبح عدد النساء الناشطات في المجال السياسي وحقوق الإنسان وحقوق المرأة أكبر من عدد الرجال. من المثير للاهتمام هذه الأيام أن الرجال هم الذين يذهبون إلى مراكز الاعتقال لزيارة قريباتهم السجينات هناك. الفرق بين الفترة التي كنت فيها صغيرة والوقت الحاضر هو الشجاعة الكبيرة التي تتحلى بها عائلات الناشطات السياسيات حاليا في إيران ودعم هذه العائلات لهذه المعتقلات.
لقد تغير الوقت كثيرا ولم يعد أحد يخجل من الحديث علنا عن قريبته السجينة التي قضت سنوات في المعتقل. النساء يتحدين النظام ويثقفن عائلاتهن للتعاون معهن من أجل قضية سامية يستفيد منها الجيل القادم.
من الحالات التي شهدتها إيران مؤخرا حالة المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان نسرين سوتوده التي بدأت إضرابها الثاني عن الطعام في سجن إيفين في طهران، وذلك حسب تصريح زوجها خلال مقابلة مع أجهزة الإعلام قال فيها إن زوجته مريضة وضعيفة وإنها بحاجة للرعاية الطبية.
نسرين سوتوده أم لطفلين، وكانت محامية لبعض المعتقلين قبل أن تتعرض هي نفسها للاعتقال بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، وهي حاليا تنفذ إضرابا عن الطعام للاحتجاج على اعتقالها وعلى التهم الموجهة إليها.
وليست نسرين حالة خاصة. هناك أيضا طالبتان ناشطتان هما بهاره هدايات وميهده غولرو، واللتان تعرضتا للاعتقال خلال المظاهرات التي عمت شوارع طهران احتجاجا على نتائج الانتخابات وحكم عليهما بالسجن 10 سنوات، وهذا من أقسى الأحكام التي صادقت عليها المحكمة العليا في إيران. وقد بدأت كلتا المرأتين إضرابا عن الطعام يوم الثلاثاء 21 ديسمبر عندما لم تسمح لهما السلطات بمقابلة زوجيهما مرة كل أسبوع كما كان يفترض. في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، أصدر زوجا المعتقلتين بيانا صحفيا عبرا فيه عن قلقهما على زوجتيهما الحبيبتين وأعربا عن تضامنهما الكامل معهما.
هؤلاء النساء أمثلة من بين كثيرات غيرهن يقبعن في السجون الإيرانية منذ العام الماضي. هناك صحفيات وناشطات سياسيات وناشطات في مجال حقوق الإنسان وطالبات وجهت إليهن تهم مماثلة بتهديد الأمن القومي، إهانة الرئيس والمرشد الأعلى، والاتصال مع أعداء خارجيين. ولم تتم محاكمة أي منهن بشكل علني ولم تحصل أي منهن على فريق من المحامين للدفاع عنهن خلال المحاكمة. هؤلاء النساء، وبعضهن متزوجات ولديهن أطفال، يمضين عقوبات متفاوتة بالسجن. الصحفية هيجاميه شهيدي مثلا حكم عليها بالسجن 6 سنوات، وهي نفس الفترة التي حكمت بها نسرين سوتوده. مثل هذه العقوبات الطويلة أمر غير عادي بالنسبة للنساء في إيران.
إن الثقافة الإيرانية التي تحترم المرأة وترحمها إلى حد بعيد لا يمكن أن تتحمل مثل هذه المواقف ضد النساء. تاريخ وثقافة إيران مليئان بالأمثلة التي تظهر الكثير من الرقة واللطف في التعامل مع المرأة. هناك الكثير من قصائد الشعر التي تتغنى بالمرأة ودورها التربوي السامي كأم. هذه الممارسات ضد الناشطات الإيرانيات صدمت الشعب الإيراني وأظهرت الجانب الوحشي الآخر للنظام الذي لم يرحم نسرين سوتوده، حتى إنها عندما التقت مع طفليها بعد شهرين من الاعتقال كانت ضعيفة لدرجة لم تتمكن معها من احتضان طفليها الحبيبين. وعندما ظهر زوجها على قناة بي بي سي الفارسية وتحدث عن قصتها، أحس كثير من أبناء الشعب الإيراني بالصدمة وتعاطفوا معها. طلب منها أقرباؤها والناشطون في مجال حقوق الإنسان أن تتوقف عن إضرابها عن الطعام، وطالبوا النظام بإطلاق سراحها فورا. توقفت نسرين عن إضرابها عن الطعام لفترة، وعندما لم يطلق النظام سراحها عادت للإضراب عن الطعام مرة ثانية.
هناك حاليا أكثر من سجينة في سجن إيفين ينفذن إضرابا عن الطعام للاحتجاج على العقوبة الظالمة التي صدرت بحقهن. لماذا يعاقب النظام هؤلاء النساء بقسوة بعكس ما تدعو إليه التعاليم والثقافة الإسلامية؟ هل النظام خائف إلى هذا الحد من الجيل الجديد من النساء الإيرانيات؟.