اختتم عام 2010 وختم معه قصفا وحرقا وتفتيتا وتفجيرا لحياة عشرات الناس في مدينة كليوباترة وإيراتوسثينيس وبطليموس: الإسكندرية، في تفجير إرهابي نال هذه المرة أهل الكتاب، بعد أن قضم حياة الشيعة والسنة والبربر والكرمنج والأمازيغ والإسبان والأتراك! وهو يقول إن دين الإرهاب واحد، هو القتل الذي سنَّه ابن آدم الثاني حين فشل في تقديم القربان فلم يُتَقبل منه فقال لأخيه لأقتلنك.
وبذلك وكما جاء في محكم التنزيل في قصة أول صراع بين بني البشر أن هناك أسلوبين لحل المشاكل، وطريقتين لفض النزاعات؛ واحدة باسم الرحمن، والأخرى تفضي إلى الشيطان؛ من يؤمن بالقتل أسلوبا لحل المشاكل، ومن يؤمن بالسلم والحوار سبيلا لفض النزاعات بين الإخوة من أولاد آدم وحواء.
نال التفجير كنيسة وفتك بحياة عشرين ويزيد، وشوه واقتلع ومزق وقطع أجزاء من عشرات الناس، في بصمات على أبدانهم، تذكرهم بالنجاة من هول الحريق، وبأن هذا العالم الذي نسكنه ليس مكانا آمنا بحال. يقول الرب في سورة النساء (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا..) وأهمية هذا الكلام هو السلام الاجتماعي .
روى لي الحادثة زميلي محمد قلت له فورا إنها فرصة للحركة وليس النواح والبكاء، فالإرهاب والقتل والتفجير دينه واحد وهو ترويع العباد، وأعترف للقاريء أنني منذ سرق بيتي لم أعد أشعر بالأمان، وكنت فيما سبق أسكن مجمعا في المشفى لا نعرف فيه سرقة وترويعا، ولكن السرقة هي لبيت أو بيتين أما التفجيرات فهي تقتل أمن المجتمع بالكامل، وهو ما يجعلني أتأمل الخراسانات المسلحة في كل مكان، وكأن المجتمع في حالة حرب أهلية.
يجب استيعاب حقيقة هامة رواها القرآن بعد أن قص خبر ولدي آدم بالحق أن من يقتل نفسا بغير حق فقد أدخل الترويع على كل المجتمع، وحين يُضرب إنسان واحد صفعة واحدة بغير حق فقد تم اختراق الكرامة الإنسانية في كامل المجتمع، وأن على الجميع ـ عفوا من التعبير ـ أن يصفوا سرى أو على الدور. المسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
وتفجير كنيسة أو مسجد أو معبد أو بيعة أو أي مكان يذكر فيه اسم الله كثيرا معناه أن الجميع مهدد بنفس المصير؛ فلا يفرح أحد أن التفجير فجر كنيسة بل فجر المجتمع كله، ولذا يجب أن يتحرك الجميع لحماية المجتمع وحرية الاعتقاد فيه، فليؤمن كل بما يريد ولكن يجب أن تحمى حرية الاعتقاد أيا كانت.
لقد روت سورة الكهف هذا المبدأ (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) والمجتمع الإسلامي هو مجتمع السلام والحماية لكل الأفكار والعقائد، وهذا هو سر وجود النصارى في المشرق واختفاء المسلمين من إسبانيا. فقد بلغ التعصب ذروته وبقرار من الملك فيليب الثاني عام 1608م تم طرد كل المسلمين (المورو) (ربع السكان) واليهود من إسبانيا ولينقلب البلد في النهاية إلى وطن خامل للعاطلين ولاعبي الضمة والضامة. في زاوية أوروبا السفلى يتشمسون مثل السلاحف على ضفاف الأنهار. حتى جاء الاتحاد الأوروبي فأنقذها باليورو والتسامح الديني والانفتاح العقلي، فهذه هي سنن تغيير الأنفس والمجتمعات.
حين روى لي الأخ قصة التفجير قلت يجب على الحركات الإسلامية في مصر أن تعلن أنها ستحمي كل أتباع العقائد الأخرى ومعتقداتهم وأماكن عبادتهم، ليس لأنها تؤمن بما يؤمنون فهذا لهم وليؤمنوا وليكفروا؛ فهذه مرجعها إلى الرب العليم القدير، ولكن المهم هو حماية حرية الاعتقاد، وهو المبدأ الذي أخذه فولتير عنا فقال قولته الشهيرة "قد أكون مختلفا معك تماما، ولكنني مستعد أن أموت من أجل أن أدعك تعبر عن رأيك، الذي هو مخالف لرأيي تماما، لأن الموت لنا جميعا والتعبير لنا جميعا، فلنبن معا مجتمع اللا خوف ومجتمع حرية الاعتقاد ومجتمع السلام الاجتماعي".
"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين".
جاءني بعد أن كتبت أن الحركة الإسلامية في مصر دعت لحماية الأقباط بدروع بشرية من الشباب المسلم وهذا هو الموقف الأخلاقي الإنساني الإسلامي.