ليست هذه المرة التي تتعرض لها قرية غطي بمحافظة القريات لهذا الفيضان من السيول المنقولة عبر الشعاب القادمة من جهة الأردن، فقد سبق أن حصل هذا الأمر من قبل، فـ«شعيب باير» هذا «المنفتق الهو» الكبير عندما يسيل لا بد له أن يخطف معه الأرواح في سنوات مضت، ولولا أن قدَّر الله ولطف وتم التنبيه من قبل حرس الحدود للدفاع المدني بمحافظة القريات لهذا الموج الهادر القادم، وهو متحامل ليكتسح ويقتلع كل ما أمامه، ولولا لطف الله وأن بادر الدفاع المدني مشكورا بإجلاء أهالي قرية غطي بالقريات لكانت «علوم وسوالف» لا تسر من تخاذل حول هذا الشأن، وأقصد هنا اللجان التي تجتمع بشكل دوري لمناقشة درء مخاطر السيول، هذه اللجان التي طيلة سنوات مضت تجتمع بين الفينة والأخرى، ولا أعلم ماذا كان نتاج هذه الاجتماعات على أرض الواقع..!
اجتاحت السيول القادمة من الأراضي الأردنية عبر شعيب باير هذا الشعيب الفحل وشعيب حصيّدة الشرقية قرية غطي، لتصبح هذه القرية عبارة عن بركة ماء كبيرة، الخارج منها مولود والداخل إليها مفقود، في غضون اليومين الماضيين كان الناس يحبسون أنفاسهم هلعا بسبب حجز قرابة عشرين عائلة بمياه السيول التي حاصرتهم من كل اتجاه، ولولا عناية الله ومبادرة رجال الدفاع المدني بمحافظة القريات هؤلاء الرجال الأشاوس الذين بعثوا بـ«شيول» عملاق يشق عُباب ذلك الموج ليصل إليهم، فجاءت بشائر الفرح بإنقاذهم فجر الأحد، لكانت ليلة مخيفة على تلك العوائل ومن ورائهم أهالي القريات إلى أن نزلت رحمة الله فكان إخراجهم من تلك المحنة.
قبل أن يتم إنشاء سكة الحديد الخاصة بالقطار لم تكُن قرية «غطي» تعهد هذه الاجتياحات من السيول القادمة عبر شعيب باير وشعيب حصيدة الشرقية، وما إن مُدّت هذه السكة بمحاذاة هذه القرية من الجهة الشمالية حتى أصبح الخطر الداهم يتخطف ويتهدد أهالي «غطي» في كل سنة، وذلك بسبب سوء التنفيذ والتخطيط لهذه السكك، فالشركة المنفذة تقوم على وضع «عبّارات وعيون» بسعة محددة في مجرى الوادي، وهذا ما لا يتماشى والمعايير الدولية في مثل ذلك، ففي الدول المتقدمة التي يتخلل أراضيها سكك الحديد يكون عبر الأودية جسور مرتفعة تنساب من تحتها سيول الأمطار بكل أريحية ودون موانع، أما سكة حديد قطارنا المبجل فقامت بحجز مياه السيول، فارتدت مباشرة نحو قرية «غطي» فغمرتها المياه بالكامل، موضوعنا ليس أُحجية ولا لغزا يُحيَّر الألباب «واحد زائد واحد يساوي اثنين»، وإما لنعاود فيلم هذا العام والأعوام السابقة، فأرواح المواطنين ليست لعبة ولا تدخل في حسبة..!
كما يذكر الجميع كيف اجتاحت مياه الأمطار محافظة القريات من ناحية حي المطار، وكيف دخلت السيول منازل المواطنين والمحلات التجارية وغرق بعض المركبات، وحصول هبوط وتشققات بالأسفلت نتيجة سوء تنفيذ مشروع تصريف مياه الأمطار، وكذلك سوء التنفيذ في الأسفلت..!
القريات لا تحتاج إلى عقوم ترابية مغطاة ومليَّسة بالأسمنت للأودية الناقلة للسيول من جهة الأردن، القريات تحتاج إلى إقامة سدود عالية أولا لدرء مخاطر السيول، ثانيا للاستفادة من هذه الكميات الهائلة من ملايين الأمتار المكعبة من مياه الأمطار العذبة التي يتم فقدها كل عام دون الاستفادة منها، فأهالي القريات يستحقون العمل لأجلهم، والدولة -أعزها الله- لم ولن تقصر، فالمهم أن يقوم المسؤول عن الجهة المعنية بهذا الأمر بإيصال هذا المطلب لمرجعه في جهازه الخدمي.