اعتبر ناشر سعودي أن معظم الكتاب السعوديين وقعوا ضحية استقطاب لبعض الناشرين العرب, تحت دعوى أنهم ينشرون لهم ما لا يمكن نشره داخل وطنهم.
وقال الكاتب والناشر عبدالله الماجد الذي أسس دار نشر قبل ثلاثة وثلاثين عاما لـ"الوطن": هذا الادعاء حَفزّ الكتاب إلى الافتعال والإيغال في كشف عورات مجتمعهم, التي لا تختلف عن عورات مجتمعات عربية وإنسانية أخرى, لكن عورات تلك المجتمعات ولأسباب مختلفة, ليست مستترة, ولا متدثرة بثوب الحياء والوجل، فأصبح كشف المستور في مجتمعنا, مادة مطلوبة يتسابق عليها الكتاب والناشرون, على حساب الشكل الفني للعمل الروائي.
ولم يستثن الماجد من ذلك كتابا لهم قيمتهم الأدبية والفكرية, وتميزهم في مجالاتهم,- على حد تعبيره - لكنهم في مجال كتابة الرواية سطحيون. وهناك كتاب يدفعون للناشرين مقابل نشر رواياتهم, دون أن تكون لديهم الموهبة الأدبية الفنية, واعتبر الماجد ذلك نوعاً من التسول الأدبي.
وعن مستقبل الرواية في السعودية بعد فوز عبده خال بجائزة البوكر، رأى الماجد أن ذلك بمثابة الإعلان عن الاعتراف بالروائيين السعوديين وبالرواية السعودية على مستوى عربي وعالمي, ولكن للأسف - والحديث للماجد - هناك بعض المثقفين والنقاد العرب, من استكثر علينا أن نفوز بجائزة أدبية, فالإبداع الفني ليس حكرًا على أمة من الأمم, وليس هو بالضرورة يكون مستقرًا في المراكز التقليدية للإنتاج الأدبي, وأنا أعتقد أن لدينا كتابا يستحقون مثل هذه الجوائز منذ وقت مبكر, من أمثال عبد العزيز مشري – رحمه الله – ورواية "ترمي بشرر" لم أقرأها بعد, حتى أتبين حقيقة ما أثير حولها، ولكن نيلها ونيل كاتبها الجائزة أمر مهم ويعنينا بشكل مباشر.
ولكن في الوقت ذاته يرى الماجد أن الرواية السعودية – في كثير مما ينشر - تمر بمرحلة المراهقة الفكرية والفنية, ويقول: هذا الرأي سوف يصدم كثيرين من الكتاب أنفسهم, أو من المبتهلين بهذا الحراك الروائي. الرواية بشكل خاص تعاني من "فرط الحركة, وقلة الانتباه" فالسمة الطاغية على معظم ذلك الإنتاج الروائي هي: الانفعال بالفكرة, وتوظيفها على حساب الشكل الروائي, أي أن معظم التجارب الروائية تقوم على فكرة مسبقة, تلح جاهزيتها على الكاتب, على حساب الإبداع الفني.
وعن عدم اهتمام دار المريخ بنشر روايات سعودية، قال الماجد: يهمني جدًا أن تنشر دار المريخ أعمالاً روائية لكتاب من بلادنا, وقد حاولت منذ وقت مبكر في مشروع لهذا الإنتاج الأدبي, وتكوين لجنة علمية من كبار الكتاب والنقاد, لاختيار تلك الأعمال تحت مسمى الإبداع الأدبي السعودي, أو ما يتفق على تسميته. ولكن المشروع لم يكتب له الظهور, لانشغال بعض الأصدقاء الذين سوف يتولون الإشراف على هذا المشروع ثم تغيرت أحـوال النشر والكتاب في مجال الرواية. وعن الإبداع القصصي يؤكد الماجد بقوله: لدينا العديد من كتاب القصة القصيرة, أكثر ازدهارًا ونضجاً فنياً من الرواية. ذلك أن القصة القصيرة كما هي القصيدة, هي الإفراز الحقيقي لحركية المجتمع الحديث التي تضرب في عدة اتجاهات منها ما هو ثقافي صناعي وزراعي, واقتصادي.
وعن مستقبل الكتاب الورقي قال الماجد مطلقا آهات مريرة: لقد جئت على "الجرح" لايزال ما يطبع في العالم في شكل الكتاب التقليدي أكثر بكثير مما كان ينشر قبل عشر أو خمس سنوات. وكلما ذهبت إلى معرض وضعت يدي على قلبي, خوفاً من كثرة ما ينشر من عناوين.
الخوف ليس من مزاحمة النشر الإلكتروني, للنشر التقليدي الورقي, ولكن الخوف على المتلقي للمادة الثقافية, هذا المتلقي هو الخاسر في نهاية الأمر, لأنه على مستوى النشـر الإلكتروني يتلـقى ثقافة مبتسرة, وغير موثـقة ولا محكمة. ثم إن الأعراف العلمية والأخلاقية, سـوف تكـون محـكاً للاختبار, وهذه خطورة النشر الإلكتروني.
الأندية الأدبية صنعت الحداثة
وسبق للماجد أن انضم لأول مجلس إدارة لنادي الرياض الأدبي، ومن خلال خوضه التجربة يذهب إلى أن الأندية الأدبية أوجدت مناخاً أدبياً, وحراكاً ثقافياً, مؤكدا أن من أهم ما حققته الأندية الأدبية, أنها فرضت مناحي الحداثة في الأدب رغم محاولات الإقصاء, وهو ما كان يجب أن يتحقق, وإلا كان غير ذلك إعلان باختيارنا موكب التخلف الثقافي والأدبي, ذلك أن سمة العصر هي الجنوح إلى الحداثة والتطور في كل شيء. وفي هذا السياق يتذكر الماجد : في بداية التسعينيات الهجرية (السبعينيات الميلادية) كنا نجتهد في مواكبة الحداثة رغم قلة المنافذ الموصلة لذلك, كان الملحق الأدبي لصحيفة الرياض, في تلك الفترة هو النافذة العريضة لنشر الاتجاهات الحديثة في الأدب, وقد كان ذلك في حينه مفاجأة لكتاب ومثقفين من لبنان, حين كتب "طلال رحمة" المحرر الثقافي لمجلة "الحوادث" اللبنانية في ذلك الوقت, حينما اطلع على أول إصدار أدبي على هيئة مجلة "ملف اليمامة الثقافي" وكان يقف خلف هذا الإصدار محمد الشدي رئيس تحرير مجلة اليمامة حينذاك, وبدعم مباشر من الراحل "عبد الله القرعاوي" مدير عام مؤسسة اليمامة الصحفية. قال طلال رحمه "لقد كنا نظن أن الأدباء والأدب في الجزيرة العربية لايزال تقليدياً كلاسيكياً. لكننا اكتشفنا أنهم أكثر حداثة منا".
هذا الاستطراد يدفع بي إلى القول: إن قطار الحداثة في الأدب والثقافة في ذلك الزمن كان يسير بسرعة المئة ميل في الساعة, ولكنه تباطأ بعد ذلك فأصبح يسير في فترات بسرعة العشرين ميلا في الساعة, ونشط تيار التقليد, والتخويف من مواكب التحديث والحداثة, وكان ما كان من سيادة تيارات أسهمت في الترغيب والترهيب. ولو كان قطار الحداثة سار بسرعته الطبيعية لتسنمنا قيادة الأدب العربي كما كنا قبل ألف وأربعمئة عام. بقي أن أقول فيما يتعلق بالأندية الأدبية الآن, إنه إذا كان من قصور في أداء هذه الأندية, فإنه يعود بالدرجة الأولى إلى الأدباء أنفسهم, فهذه بيوتهم وعليهم أن يشيعوا فيها الحراك ويملؤوا بيوتهم نشاطاً.
قصة تأسيس الدار
وعرف عبد الله الماجد صحافيا وكاتبا ولكنه سرعان ما انسحب من الوسط الصحفي ، ليعود ناشرا. ويوضح هذا التحول من كتابة الأدب إلى النشر بقوله: أن تكون أديبا محترفاً, لابد أن تتفرغ تماماً لذلك, وإلا أصبحت هاوياً, كما هو الحال معي, فأنا مازلت من هواة الأدب, والمتسكعين على موائده, كنت أتمنى في بداية حياتي الأدبية أن أتفرغ, ولكن للأسف لا يوجد لدينا مشروع تفرغ للأدباء. وقد ناديت مرارًا بهذا المشروع ولا أعلم الأسباب التي تجعل بلدًا مثل بلادنا ليس به مشروع تفرغ الأدباء, فنحن لا نشتكي من ضيق مالي ولدينا مواهب في كل مناحي الفنون, وقد حان الوقت لتجديد هذه الدعوة.
و يسرد الماجد حكاية تأسيسه "دار المريخ للنشر" قائلا:
الدار هي الجزء الهام من مشروعي الثقافي. فلقد وجدت نفسي في وقت مبكر بين الكتب, منذ بدأت العمل في دار الكتب الوطنية, القديمة التي كان مقرها في شارع الملك فيصل (شارع الوزير) بالرياض, وكانت تحت إشراف وزارة المعارف حينذاك. ومن ذلك الحين ارتبطت حياتي بالكتب حتى الآن, ذلك أنني عملت بعد ذلك في مجال الإعلام والنشر في جامعة الرياض, وانخرطت في العمل الصحفي. المرحلة الهامة التي أفرزت دار المريخ, هي عملي في النشر العلمي بجامعة الرياض, في مطلع التسعينات الهجرية حيث كنت سكرتيرًا للجنة البحوث والنشر بالجامعة, وفي نفس الوقت وجدت نفسي أعمل في دارة الملك عبد العزيز, مع أستاذي الراحل محمد حسين زيدان, وهو يُؤسس لإصدار مجلة الدارة, وبتكليف مباشر من الراحل العظيم الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ, عملت في الدارة كأمين عام مساعد, مع مجموعة متميزة من الباحثين, في مشروع نشر البحوث العلمية التاريخية في الدارة. فإذا ما التحم هذا الجزء مع الجزء الثالث المهم أيضًا, وهو عملي بالصحافة, اكتملت رؤوس المثلث في هذا المشروع. من هنا تخلّقت فكرة تأسيس دار المريخ, حينذاك لم يكن في بلادنا سوى أربعة أو خمسة دور نشر. ومنذ البداية, كانت فكرة دار المريخ تقوم على أن تكون دار نشر علمية أكاديمية, تنشر كتباً علمية محكمة, وتصدر مجلتين علميتين محكمتين, الأولى مجلة المكتبات والمعلومات العربية صدرت منذ عام 1981 والثانية مجلة العصور صدرت منذ عام 1986, محاكياً في ذلك أسلوب النشر العلمي في الجامعة والدارة, وما تعلمته أثناء تلك الفترة, في بعض دور النشر العالمية في دورات وزيارات متعددة.
ويتابع الماجد : حينما أنظر إلى أكثر من 566 عنواناً صدرت حتى الآن عن دار المريخ, أشعر بالغبطة وبالأمل وبالرضى أن جزءًا هاماً من مشروعي الثقافي قد أثمر. ويضيف: مما تفخر به دار المريخ للنشر, أنها أقامت أول معرض دولي للكتاب بالرياض بالتعاون مع جامعة الرياض عام 1397هـ /1978. وكان على رأس العمل في الجامعة مديرها حينذاك الدكتور عبد العزيز الفدا, وعميد شؤون المكتبات الدكتور أحمد الضبيب. وكان الدكتور يحيى بن محمود بن جنيد مدير مركز الملك فيصل للبحوث الآن, مشرفاً على المعرض.