حين دخلت التلفونات قرانا قبل عقدين من الزمان لم نتعلم مفردة "الووو" فقط بل تعرفنا كيف نتحضر في ألفاظنا للتعامل مع هذه الأداة الحضارية الجديدة.

حدث أن اتصلت بي جارة قريبة لي، رفعت أنا السماعة بتحضر وقلت "الوووو. مييييييين " تسأل "هذا منزل أحمد السيد عطيف؟" وعلى الفور كل منا عرف الآخر من صوته وحيا الله وسلم الله ورجعنا للهجتنا "كيفكن وكيف قايلين وكيف فاطمة وعيالها... إلخ".

الذين ألفوا معاجم البلدان يبدو أن أول واحد فيهم التقى بواحد من الأقلية في منطقة جيزان أو خارجها ممن ينطقونها "جازان" فسجلها في كتابه ثم نقل بقية المؤلفين عنه بمن فيهم مؤلفو منطقة جيزان.

وقد درات نقاشات بين بعض المهتمين من أبنائها حول الأصح هل هو جيزان أم جازان. وكانت الأمور في مكانها الطبيعي صفحات الصحف والكتب إلى أن أصدر أمير جيزان السابق، بعد موافقة وزارة الداخلية، تعميما باعتماد "جازان" اسما رسميا للمنطقة في المكاتبات.

في رؤوس الوادي الجبلية يتركز نطقها بالألف، فالجبليون تسميتهم توارثوها للوادي الذي ينطلق من جبالهم لا للمدينة التي نشأت بعد الوادي بآلاف السنين بعيدا عنهم على طرف الوادي من الناحية الغربية ويسميها أهلها جيزان.

الفيروزآبادي صاحب المعجم الشهير عاش ومات في زبيد قريبا من المنطقة وذكر الوادي وذكر أن جيزان ناحية مفرقا بينها وبين الوادي. فالمثقفون في خطاباتهم وقصائدهم وفي وسائل الإعلام ينطقونها جازان، وفي حديثهم اليومي ينطقونها جيزان، لأن الحديث اليومي خارج لغة الثقافة وخارج التحضر.

تشيع في لهجتنا لفظة "بيت" ولا نقول عنه "منزل" إطلاقا، لكن جارتي سألتني عن "منزل" لأنها تتحدث من خلال الهاتف، وهو وسيلة متحضرة لا يليق معها أن تقول "بيت" ولا يليق بي في الهاتف أن أقول من " بكسر الميم بل لا بد أن أقول "مييييييين" كما سمعتها في وسائل متحضرة كمسلسلات التلفزيون، وهذا بالضبط قصة ألف جيزان ويائها!.

شخصيا لا أرى مبرراً تاريخيا أو ثقافيا لقلب اسم مدينة سماها أهلها "جيزان" منذ نشأتها.