جدة: خالد المحاميد





 
طالب أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العسكر في إثنينية عبد المقصود خوجة بالفصل بين الدين والتاريخ، وضرب مثلاً على ذلك بقضية "الاختلاط". وقال: من الممكن أن يفتي أحد العلماء بحرمة الاختلاط أو بجوازه، وهذه مسألة دينية لا علاقة لها بالتاريخ، ولكن من الممكن في المقابل أن يقوم المؤرخ بدراسة ظاهرة الاختلاط في المدينة المنورة مثلاً، فيصف سلوك النساء والرجال حسب ما تتوفر لديه من وثائق، ويصور طريقة العلاقة بينهم، وطريقة ملبسهم ومأكلهم والتواصل فيما بينهم، من دون أن يتعرض إلى حرمة أو إباحة هذه الظاهرة، فهو يطرح الوقائع ولا يعطي رأيا فيها.

وانتقد العسكر الذي صنف نفسه منتمياً إلى المدرسة الأمريكية في دراسة التاريخ، والتي تعتمد على الدراسات الكمية، ولا تعتد بالأدب، مصطلح "التاريخ الإسلامي" وقال: يزعجني استخدام مصطلح التاريخ الإسلامي، لأن التاريخ هو علم مثله مثل الطب، والعلوم لا تنسب إلى الأديان، لذلك اقترحت أن نستخدم مصطلح تاريخ الشعوب الإسلامية بدلاً من مصطلح التاريخ الإسلامي، لأن في هذا التاريخ أخطاء كثيرة لا يجب أن تنسب إلى الإسلام. وذكر في معرض حديثه عن أهمية التاريخ بأنه تم تسجيل 10 آلاف ساعة من التاريخ الشفهي كانت بعض وقائعها أكثر صحة مما هو مدون.

وفي رده على "الوطن" حول كيفية الفصل بين التاريخ كمجموعة أحداث وبين الإسلام خاصة وأن تاريخنا يكاد يكون تأريخاً للقرآن والسنة النبوية، اعترف العسكر بمعاناته من هذه القضية، متسائلا: نقول التاريخ الإسلامي، فما هو المسمى الذي نطلقه على الفترة الجاهلية السابقة للبعثة؟، وثانياً ليس صحيحاً أن التاريخ الإسلامي هو تاريخ القرآن والسنة النبوية، وهناك رأيان أحدهما يقول إن السنة النبوية جزء من التاريخ، لكن تاريخ الإسلام هو تاريخ عريض ولا يمكن أن يكون فقط تاريخ القرآن والسنة النبوية.

وألقى الدكتور العسكر الضوء على تجربته في دراسة التاريخ متحدثا عن أهم المدارس التاريخية، رافضا فكرة إغلاق أقسام الدراسات الإنسانية، والحجج التي تساق لتبرير ذلك مثل أنها لا تتناسب مع مخرجات العمل، وقال رداً على ذلك: إن العلم لا علاقة له بالعمل والكسب، فالعلم هو من أجل العلم نفسه.

ثم تطرق للدراسات الاستشراقية، وقال إن للمستشرقين فضل كبير في حفظ التاريخ العربي والإسلامي، وهم بغض النظر عن أهدافهم فتحوا لنا باباً واسعاً نحو معرفة تاريخنا، لذلك من غير المنصف تصنيفهم على أسس دينية، فهناك مستشرقون قدموا أعمالاً جليلة للتاريخ الإسلامي، فلا يجب أن ننظر إلى الأهداف التي قدموا من أجلها هذه الأعمال، وهناك مستشرقون أنتجوا أعمالاً ليست ذات قيمة، وسواء كانوا يعملون كموظفين في استخبارات بلادهم أو في خدمة حكوماتهم، فيجب النظر إلى الإنتاج نفسه هل هو جيد أم لا.

وبينما وصف الضيف المدرسة المحافظة بأنها بلاء يجب التخلص منه، أشار عبدالمقصود خوجة في كلمته الترحيبية بالضيف إلى أن العالم الإسلامي "نكب خلال العقود الأخيرة بآلية خطيرة لمحو آثار الحضارة التي أثرت في العالم، واستنهضت أوروبا من سباتها في القرون الوسطى، لتنهض بها نحو مستقبلها الذي تفخر به الآن.. فجاءت المكافأة بإطلاق الإرهاب ليدمغ كل عمل يمت إلى العالم الإسلامي بصلة"، وأضاف خوجة: إن المرحلة القادمة تحتاج إلى جهود المؤرخين، لإعادة الأمور إلى نصابها