مرضى البروجيريا في العالم معدودون، وهي حالة غريبة في عالم الطب تتسارع فيها الانقسامات في الخلايا مع شذوذ ليصبح ابن ثماني سنين شيخا في الثمانين، وأنا شخصيا اجتمعت بحالة واحدة في مشفى القصيم التخصصي وكانت حالة نادرة قد وصل صاحبها إلى عمر 18 عاما وفي العادة لا يعمر صاحبها طويلا، وفعلا فقد مات بعدما رأيته بأيام قليلات حينما انفجر عنده الوتين.

وقبل أيام اطلعت على حالة معكوسة للبروجيريا في طفلة من دالاس في تكساس الأمريكية حيث تصبح الحالة مقلوبة للبروجيريا، فلا يحصل التشيخ المبكر بل المحافظة على الطفولة فلا يتقدم صاحبها إلى الأمام بل يتجمد في الزمن مثل أخذ الصورة في الكاميرا، وقام طبيب بدراسة الحالة لسنوات طويلة عسى أن يعرف سر حالة الطفلة التي عمرت حتى الآن 21 عاما ولكنها متوقفة عند عمر طفلة في السنتين، وهي أخت لأختين أخريين طبيعيتين، واحدة "كاتي" أصغر منها بثلاث سنين في عمر 18 مثل كل الفتيات في العمر، ولكن هذه الطفلة الشابة تقف بجنبها في عمر السنتين وهي من عجائب خلق الرحمن الرحيم.

حاول الطبيب المعالج أن يكتشف أي خلل هرموني أو اضطراب في الجينات فدرسها وأزعجها بالاختبارات التي لا تنتهي وفحوصات الدم المتكررة والطفلة صامدة صابرة بفضل تعاون الأهل معه من أجل كشف السر المغيب لماذا لا تتقدم هذه الطفلة في العمر وتحافظ على عمرها هكذا عبر العقود. ثم تناهت إلى سمع الطبيب حالات أخرى في العالم واحدة في لندن، والثانية من أستراليا عن نفس الحالة، واحدة عاشت أربعين عاما وما زالت في عمر عشر سنوات، والثانية عاشت عشرين ربيعا وهي واقفة في عمر الثماني سنوات.

أهمية الحالة والدراسة أنها ستكشف عن القفل الجيني الذي يحدد توقف العمر، وتطبيق هذا الكلام وتنزيله ميدانيا على الشكل التالي: المحافظة على الشباب مع استمرار تدفق العمر. بمعنى أننا نترك الطفل مع فتح القفل الجيني حتى عمر 20 سنة أو 33 سنة مثل أعمار أهل الجنة عفوا من التعبير، ثم إغلاق القفل الجيني فيتوقف الإنسان عند هذا العمر الذي نرغب فيمتد العمر طويلا وفي سن الشباب.

إننا جميعا ـ في ظني إلا النادرـ يحب أن يعيش طويلا، وأنا شخصيا بعد أن تجاوزت 65 عاما وبنشاط، أتمنى أربعين اخرى في مثل هذا النشاط والأفضل بعمر 33 عاما. الإنسان طماع أليس كذلك؟

كلنا يحب أن يعمر ولكن بشرط عدم الشيخوخة، ذلك أن الشيخوخة تعني ثلاثا: الطفر وإفلاس الجيب والفقر بتوقف العمل والإنتاجية؛ فيعيش على التقاعد في أحسن الأحوال، والثاني المرض والعجز وانفجار العلل من ارتخاء القلب وطقطقة المفاصل وعشى البصر فهو حسير وتلاشي الذاكرة والتهديد بالزهايمر والعته والخرف، وأخيرا الانسحاب الاجتماعي والجلوس في ركن قصي يكتب مذكراته، أو يزدرد ذكرياته، ويكرر أحلامه المتبخرة، ويجتر بطولاته التي انتهت إن كانت بطولات.

وفي القرآن مثل مقرب عن رجل أصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فضرب الرب جنته فأصابها إعصار مدمر فهذا مثل عن فساد الأعمال.

حالة الطفلة من تكساس قد تقربنا من مفهوم فتية الكهف الذين توقفوا في الزمن أيضا بآلية التبريد؛ فقد كان السبعة وثامنهم كلبهم في فجوة ضمن فجوة من الكهف، لا يضربهم شعاع شمس، تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال كما جاء في سورة الكهف. أو كيف عاش نوح أكثر من ألف سنة هل كان السر في الطعام. في طريقة العيش. هل كانت حالة استثنائية لنوح أم الجيل كله.

لقد ذكر الألماني سباستيان حالات نادرة في كتابه نبع الشباب عن قوم طالت أعمارهم وصحت أبدانهم وعاشوا أكثر من ضعف الفترة وهم نشيطون. وحالة الطفلة المكتشفة قد تفتح الباب أمام السر المغيب في تعمير البشر من قصر الأعمار.

وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب.