كل يوم يمر نجد أنفسنا محاصرين بالأخبار التي ترفع الضغط مع السكر وتخرق طبلة الأذن مع الأوزون، وبقليل من التحليل وتشغيل المخ الذي انعدمت "فيوزاته" مع تراكم الخيوط العنكبوتية للتجميد والتحكم، الله يسامح من كان السبب، أصبحنا نمشي بعاهات مؤقتة ومستديمة، نجد أننا نحارَب، وممن؟ من أنفسنا! بل إننا في الواقع ننتقل من انتصار إلى انتصار "مبهدل" حسب قول دريد لحام، ولكنه يظل انتصاراً!

نحن نحارب أنفسنا وننتصر حين:

- يُحرم عمل النساء كاشيرات، وتترك النساء في لهيب الشمس ولقوارض الشوارع تلتهم ما تبقى من صحتهن! ولكن الحمد لله على البحر فمن خلاله يتستطعن، إن وجدن منفذا إليه، أن يأخذن غطسة "تبورد القلب شوية"!

- تحاسب بعض مديرات المدارس الخاصة اللائي يؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم، نعم يحاسبن على إدخال مادة التربية البدنية للبنات، وبالمقابل يسمح في المقاهي للنساء

بـ "المعسل والجراك"! وهنا نتساءل حقا: ومم يشتكي البحر؟! كل يوم هرولة على الكورنيش مع الفئران و"المزابل" التي يتركها الكثير من الزوار، إضافة إلى الروائح "الأوكسيجينية" لمجاري الفنادق القريبة منه، تعيد لفتياتنا النشاط، هذا طبعا إن لم تصبهن جرثومة، وتسكن في أجسداهن ليلدن بعدها أجيالا تتمتع بقوة وصحة تهد حيل محارمهن اقتصاديا!

- تستجدي مطلقة أو أرملة المساعدة في العودة إلى مسكنها بعد طردها في الشوارع هي وأولادها لأنها لم تستطع دفع أجرة "قصر يلدز" الذي تسكنه! لا أعرف لماذا تستجدي، وعندها البحر واسع و"ببلاش"؟!

- يسترحم أب مكلوم قلوب المجتمع، لا يجد تكاليف عملية لفلذة كبده! والله هنا تعقّد الأمر علي، كيف أوظف البحر؟ بسيطة.. فصلته! أي البحر... وليشرب من نفسه إن لم يعجبه الأمر!

- نجمع القوم من أجل الصلح، وتُدفع فيها مبالغ خيالية من أجل ذلك، أي "لا تصالح" إلاّ إذا كان "القرش" واضح! ويالخجلنا من البحر! لأنه بالتأكيد سوف يعيدهم إلينا إن نحن قذفنا بهم إليه! ...حتى أنت يا بروتس!

- يتحفوننا بمبان جديدة كلفت الدولة الكثير الكثير، ثم تخرّ على رؤوس أبنائنا وبناتنا ورؤسنا ورؤس الذين خلفونا! ولمن تشتكي يا عم؟! الحمد لله على الأقل لدينا البحر ليوقظ فينا القريحة لنُشعر.. وما أكثر شعراء قومي هذه الأيام، لقد أصبحت أعدادهم تضاهي أعداد العلماء.. ربما الآن نستطيع أن ندرك سبب تفشي الأغاني الهابطة.. كلا ليس ما تفكرون به! لنحلل منطقيا، ما بكم يا قوم؟! إنه البحر.. هو السبب!

- تحفر الشوارع أمام المنازل من أجل إدخال خطوط أو أنابيب أو يمكن لا شيء، هكذا مجرد عرض عضلات، ثم يسفلت الشارع، ويصبح أعلى من منزلك، فترفع أنت حديقتك، فتأتي جهة أخرى وتحفر وتسفلت من جديد، وترفع أنت من جديد، وهكذا دواليك إلى أن تجد أنه من الأفضل والأرخص لك أن تشتري مركبا مطاطيا وتتسلى أنت والأولاد في موسم الأمطار! نعم، لنخرج من الصندوق ونفكر بحلول لولبية "تُسلي" و "تلهي" وتبرّد القلب.. ولا نحتاج لبروتس البحر أن يمنّ علينا!

- تُسرق شريحة الهاتف المحمول فتُبلغ، ويُقطع ثم تجد أنه فُعّل من جديد لأن سعادة الحرامي استخدمه! تجبر على الدفع ولا ينظر في شكواك إلا بعدها، ويقطع، ثم يُفّعل من جديد لأن سعادته زهق وأضاف كل الخدمات الموجودة في الخدمة.. مسكين حرامي صغير "طفشان" يريد أن يتسلى! وهل هو لا سمح الله أقل من غيره من الحرامية؟! فتشتكي صارخا: اقطعوه، أرجوكم اقطعوه، أديروه على القبلة واذبحوه!... والحمد لله لدينا البحر...كلا كلا أخطأتم هذه المرة في التقدير، لا لنشرب منه، بل لنُغرق فيه الجهاز المحمول... فقط!

- تذهب إلى المستشفى "يا غافل لك الله"، لتضيع في أروقته، تدخل من أجل ألم بسيط في ساعدك، لتجد أنك موبوء وفيك كل "العِبَر"! أي إن لم تلحق نفسك بإجراء عملية، أو سلسلة جلسات لا تنتهي من العلاج الطبيعي والمصطنع، سوف تقع من طولك وتحسب رقما ساقطا في تعداد السكان، لا سمح الله! وادفع من دمك يا رجل فأنت داخل مقر الخمس نجوم، ألا ترى الثريات والتحف واللوحات الفنية على الجدران، أم نسيت التلفاز والقنوات التي على كل شكل ولون، وكلها سخرت من أجلك سيدي، كي تنسى أننا سهونا وتركنا في معدتك شمعدانا أو يمكن "أم قريدان"، وادفع يا رجل فاتورة طولها من هنا إلى أم درمان! وإلا تحفظنا على كليتك رهانا، وإن لم يتم الدفع.. تباع، وعلى كل حال بين البائع "والشاري" يفتح الله! كلا لم أنس البحر، على الأقل المنظر يسلينا... ماذا توقعتم؟ وهل يوجد أكثر من غرق كهذا؟!

- نجد وابلاً من العروض البنكية وغير البنكية، فقد دخلت عروض تجار المجوهرات على الخط مؤخرا، أي ديون ثم ديون ثم ديون وفوائد، ولماذا؟! لأن دورك في القرض الحكومي للإسكان ترتيبه المليون بعد المئة بعد الألف، صح الترتيب؟ لا يهم، المهم أن دورك لن يأتي في هذه الحياة، جرب واحدة أخرى أو.. خذ "غطسة" في البحر!

يا قومي حين تأتي الضربة من الغريب تجرح، ولكن حين تأتي من ابن بلدك...تذبح!