هناك منعطفات كثيرة في حياتنا، ولكل شخص ظروفه الخاصة، وأعني هنا المجتمع الوظيفي تحديدا، فتجد أشكالا من اليأس والإحباط، وتحاول أن تخرج نفسك من هذه الدائرة التي تشبه كثيرا مساحة القبر تماما.
ولأني كنت في عتمة موحشة، تسلحت بالأمل مرددا وسط هذا المجتمع أن غدا أجمل رغم ضبابية الموقف حينها، حتى تقابلت مع شخص يجعلك من الانطباع الأول تشعر أن الشمس قد أشرقت لا محالة، وتولّد لدي شعور جميل بأن الماضي مجرد دروس وعبر في هذا المجتمع، وأن غدا يحمل في طياته كثيرا من الإنجازات العظيمة.
ولكوني أحمل تجارب سيئة مع أشخاص عملت تحت إداراتهم، ما زلت متحفظا -لا شعوريا- مع هذا الرجل على الرغم من قلبه العظيم، ورقي أسلوبه الأعظم، إلا أن المشاعر المختلطة ما زالت سيدة المشهد.
مرت الأيام، ولاحظت أن هذا الإنسان العظيم يحمل صفات القائد، وجعلني أثق كثيرا في اعتقاداتي، وهو -بلا شك- غني عن شهادتي، ولكن قلمي هو الوحيد الذي يبوح بما يجول في لب قلبي وعقلي.
وتأكيدا على ظني، فقد أهداني هذا القائد هدية عظيمة، عبارة عن كتاب لرجل نحبه جميعا، ألا وهو كتاب «من البادية إلى عالم النفط» للمهندس علي النعيمي، والذي يحكي فيه عن سيرته الطموحة، والتي تعد مدرسة لكل موظف سعودي.
هذا الإهداء العظيم جعلني قارئا نهما لسيرته الخالدة، والتي تجبرك على أخذ درس من كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الجميل، والذي يجدد فينا الطموح والأمل، ويجبرك أن تعاهد نفسك على أن تكون علامة فارقة في مجتمعك، لا تكملة عدد.
ولعل ما لمس وجداني، وجعلني أرتب أفكاري، تلك العبارة الخالدة التي قال فيها «إذا نال رئيسك ترقية نتيجة تفوقك في المهام التي أوكلها إليك، فستخلفه في منصبه».
لا أعلم حقا كم عدد المرات التي عدت فيها قراءة هذه العبارة الرائعة، والتي حفّزتني على كتابة هذا المقال المتواضع.
نعم، أنا تراجعت عن الندم الذي كان يتملكني بسبب اجتهادي في العمل، وقطف ثمرته غيري، لقد خالجني شعور مريح واطمئنان بأن أواصل هذا النهج، بأن أعمل وأعمل حتى تتحقق الأهداف تباعا.
إن هذا الكتاب بمثابة كنز حقيقي، يجعلك تتعلم معنى العزيمة والإرادة، وأن الفشل هو أحد مفاتيح النجاح، كما أن شغفك سلاح خفي يظهر تلقائيا مع انكساراتك، وإن تعاقبت عليك فهي سُلّمك الأقوى للنجاح.
كم نحن فخورون بهذا النموذج الحي الذي سقانا من تجربته الحافلة والمثيرة، والتي توزعت على كثير من شؤون الحياة الاقتصادية والسياسية، والتي عبّر عنها سفير الولايات المتحدة السابق لدى المملكة جايمس أوبرويتر قائلا «تسمع عن أناس عاشروا الملوك وعاشروا عامة الناس، وهذا الوصف ينطبق تماما على الوزير النعيمي»، ومصداقا لكلام السفير أقول إن هذه الرحلة نبعت من البادية إلى عالم النفط حرفيا. ولكوني ما زلت في بادية النعيمي، استطعت أن أرتب أفكاري وأعيد صياغتها، محاولا استعارة أسلحته لعلني أصل إلى شواطئ ما وصل إليه في مستقبل متفائل به كثيرا، ولا أخفيكم سرا أني عندما أنهيت هذا الكتاب قلت لا شعوريا، وأن أنظر إلى صورته «خُلقت لتكون قدوة».