تذكرت هذا الشطر الشعري الشهير وأنا أستمع للكلمة الافتتاحية لمؤتمر علمي عن التعليم حضرته أخيرا، إذ تحدثت البروفسورة المتخصصة في علم الأعصاب عن علاقة عدد ساعات النوم وكفاءته بالتعلم، كما أشارت بقلق لتناقص عدد ساعات النوم وجودته بشكل عام، وعلاقة ذلك بانحدار مستوى جودة التعلم.

جاءت في سياق حديثها عدة توصيات باعتماد ساعات نوم صحية منتظمة لأن الخلايا العصبية تستغل نومنا لإصلاح قدرتها على الاستقبال من خلال الاستطالة ومصافحة جاراتها من الخلايا.

خلال النوم تتحسن المستقبلات وتزداد قوة الوصلات العصبية بينها مما يساعد في تثبيت المعلومة المراد تحصيلها.

أوصت البروفسورة Barbara Oakley كذلك في حديثها البديع بتوزيع التعلم على حصص متساوية خلال الأسبوع، والربط بين التعلم والنوم، بدلا من الانكباب على التعلم في ليلة الاختبار، أو محاولة حفظ الكتاب في الأسبوع الأخير قبل الامتحانات، لأن الطريقة الأخيرة يلفظ معها العقل معلوماته بانتهاء ساعة التقييم، ولو خضع المتعلم لامتحان في نفس المقرر بعد الاختبار الأول بأسبوع فقط سيحقق درجة أقل بكثير من درجته الأولى، لأن الروابط العصبية لم تتكون، والتعلم لم يحدث بالشكل الصحيح الذي نطمح إليه.

 بعدها بأيام، وخلال برنامج توعوي للاحتفاء باليوم العالمي للنوم، والذي تؤكد كل الدراسات على أهميته للصحة النفسية والبدنية والعقلية، أكد المتحدث على ضرورة الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم العميق ليلاً لمساعدة الجسم على إصلاح نفسه بنفسه على مختلف المستويات، من تجديد الخلايا إلى تثبيت التعلم وتحسين الحفظ وتأخير شيخوخة المخ والجسد، والخالق سبحانه أرشدنا لذلك بقوله (وجعلنا نومكم سباتا).

 ثبت علميا كذلك أن الحصول على كفايتنا من النوم الصحي يساعدنا على اتخاذ قرارات سليمة، وهذه المعلومة تتماشى مع عبارة إنجليزية دارجة تقال لمن تتملكه الحيرة في قرارٍ ما على سبيل النصح وهي sleep on it! بمعنى أن يتخذ القرار ثم ينظر فيه مرةً أخرى بعد أن يأخذ كفايته من النوم، وعلى الأغلب سيكون القرار المتخذ بعد نوم عميق هو القرار الصحيح، ولعل قولنا في العربية (من أصبح أفلح) يتسق أيضا مع هذه الفكرة.

 هذه المعلومات الثرية ليست جديدة عليّ بالكامل، فأمي بفطرتها السليمة عودتنا على مراجعة الحفظ تحديدا قبل النوم مباشرة حرصا على تثبيت المعلومات في الذاكرة! لكن التذكير بها في هذه الفترة المهمة من العام والتي تسبق الاختبارات النهائية أمر ضروري لطلابنا وطالباتنا؛ فقد قارن المتخصصون في التعلم بالأرقام بين عدة عوامل ثبت علميا تأثيرها على التعلم، ووجدوا أن الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يوميا من أعلى ثلاثة عوامل مؤثرة على كفاءة التعلم ونتائج الاختبارات في شريحة طلاب الثانوية والجامعة.

علينا برأيي أن نتبنى الشطر الشعري الشهير (ما فاز إلا النوّمُ) ونجعله شعارا لفترة الاختبارات التي تقترب عوضا عن ترداد (من طلب العلا سهر الليالي) على مسامعهم، ليتنا نحرص على حصول من يهمنا أمرهم على كفايتهم من النوم، وكذلك على تنمية هذه العادة الجيدة فيهم مبكرا، ومعالجة أي عارض صحي أو عصبي يحرمهم من هذه النعمة، فالحرمان من النوم كما نعلم كان وسيلة من وسائل التعذيب في أزمنةٍ غابرة!