وحيث إن إيجاد خارطة طريق للتواصل الإنساني لم يعد ترفا فكريا بعد ثورة الاتصالات التي شهدها العالم وما صاحبها من إرهاصات وتحولات كبرى، فإن الجدية في إتقان التواصل الإنساني توفر على البشرية مزيدا من المعاناة في مواجهة التطرف والإرهاب والجريمة.
بعبارة أخرى، العالم الجديد يتجه لهدم مزيد من الحواجز وبناء مزيد من الجسور.
إن أحد الجوانب التي نتوقع مراجعتها مستقبلا هو انطلاق بعض الأطروحات من النص الديني، ولعل في هذا مخالفة كبيرة لأهم أسس الحوار الحضاري، ألا وهو البناء على القواعد الإنسانية المتفق عليها بين جميع البشر، وليس على الاختلافات التي تراكمت على مدى تاريخ الوجود الإنساني.
وفي رأيي إن البناء على النصوص الدينية لا يخدم برامج التواصل الحضاري التي يعول عليها في إيجاد رؤية عالمية ذات مرجعية إنسانية، وفي تكوين مخرجات قادرة على إحداث فارق في الصورة النمطية المأخوذة عن ثقافتنا، والتي يبدو أن أهم ملامحها هي العزلة في القوالب المقدسة.
كما أن برامج التواصل الحضاري لا ينبغي أن تكرس المنهج التقليدي الذي لطالما تناقضت مبادئه باختلاف منظريه وظروفه السيسيولوجية والأيديولوجية، وهذا الاختلاف تحديدا هو الذي خلق الفجوة بين من يعتبرون أنفسهم أتباع الحق المطلق وأصحاب الأفضلية الذاتية وفقا لروايتهم الدينية، وبين من يختلف معهم أو يختلف عنهم.
وفي حين أن هذه مسألة مفهومة في التعاليم الدينية، بل هي إحدى الأسس التي تبنى عليها قداسة المنظومة الفكرية، إلا أنها تدعو للارتباك حين يتعلق الأمر بمجتمع يرغب في أن يتشكل على أسس إنسانية خالصة، كما هو الحال في برنامج سلام للتواصل الحضاري التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومثال ذلك لو كان أحدنا في حوار مع أتباع ديانة أخرى، واتضح له أن مرجعيتهم في الحوار هي نصوصهم المقدسة، فالواقع في هذه الحالة أن لا أرضية مشتركة جامعة في هذا الحوار.
وخلاصة القول، نحن هنا لا ندعو لإقصاء القيم الدينية على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، ولكننا نقر حقيقة أن هذه القيم يصعب قياسها وتوصيفها علميا، وبالتالي فإن الارتكاز عليها كوسيلة إقناع كان في كثير من الأحيان بديلا عن تزويد المشاركين بالأدوات والاعتبارات الحضارية الملائمة للتواصل بين سكان هذا الكوكب، باعتبارهم شركاء في البيئة والحضارة والموارد والمصير.