في رحلتي العمرية في مختلف الأوساط الفكرية -الإسلامية تحديداً- في الداخل والخارج، وجدتُ شبه اتفاق على التهوين من قضية الانتماء للوطن والولاء لأرضه وأهله وقياداته، لا سيما في الجماعات الحركية التي تختطف عقول الشباب وتجعل حبهم وعشقهم للبلدان الأخرى التي تتحقق فيها رؤاهم ويتواجد فيها مريدوهم.
على سبيل المثال، نجد عند الإخوة العرب المنتمين لجماعة التبليغ، الهيام والحب لبلاد الهند، نظراً لنشوء جماعتهم هناك وتعلقهم الكبير بتلك الأرض التي شهدت ميلاد الجماعة سنة 1926 في مدينة كاندهلوة الهندية على يد مؤسسها محمد الياس الكاندهلوي 1885-1944.
في مفهوم التبليغ أن العضو المبجل، صاحب المكانة الرفيعة والميزة العلية هو العضو الذي خرج إلى الهند ووطأت قدماه أرض كاندهلوة ودلف إلى مركزها العتيق بنظام الدين وربما شبهها البعض بـ«مكة التبليغ».
والعكس صحيح في مسألة الهوية الوطنية فعند المسلمين في بلاد الهند والسند وشرق آسيا نجد الولاء والهيام ببلاد العرب وخصوصا الجزيرة العربية وأهلها. يرون في العرب أنهم مباركون لكونهم من نسل الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان.
لهذا فإنهم في بعض الأحوال وخصوصاً في الأرياف والقرى نجدهم يتبركون ويتمسحون بالإنسان العربي لا سيما الخارج في الدعوة إلى بلادهم.
في جانب جماعة الإخوان المسلمين نجد الأمر يختلف كثيراً، فالجماعة لا ترى أي قيمة للأوطان على امتداد الكرة الأرضية
ولا كرامة لكل أنظمة الدول فهي ما بين أنظمة كافرة وملحدة ومنافقة ومرتدة.
في أدبيات الإخوان نجد أن الاعتزاز بالأرض والمكان هو من أمور الجاهلية. يوظفون نصوصا في غير محلها مثل حديث «دعوها فإنها منتنة» و«أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم»، وأصله أن غلامين اقتتلا أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار، فقال المهاجري يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار، فأنكر عليهم النبي ??? وقال ما بال دعوى الجاهلية، فأخبروه فقال دعوها فإنها منتنة. وليس في الحديث إنكار على حب الوطن البتة بل هو إنكار على هتاف الغلامين للمهاجرين والأنصار بهذه الطريقة المفضية إلى الفتنة.
ربما يذكر الكثير عبارة محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان السابق «طز في مصر». أما سيد قطب فقد اختصر الوطن كله بقوله «ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن». وكانوا يطلقون على الوطن «الوثن» الذي يُعبد من دون الله، وهو ذات اللقب الذي أطلقه الغلاة السعوديون -ذات يوم- على صحيفة الوطن «صحيفة الوثن».
فكر «الإخوان» قائم في أساسه على إنكار الأوطان، وتكريس روح العداء لها. لهذا فهم يختلقون أساليب لتقويض حب الوطن لدى الأتباع، كابتداع كيانات بديلة للوطن، من خلال البيعات الحزبية، وهدم الولاء والانتماء الحق للوطن، وتحويل الولاء للأوطان إلى الحزب، وفرض التنظيم بديلا له. كذلك فعلوا بالأسرة فأوجدوا نظام الأسرة الحزبية وهي مجموعة صغيرة يتزعمها ما يسمى بـ «النقيب» يشترك معهم في هذا جماعة التبليغ الذين يضحون بأسرهم ويتركون أهاليهم في أوضاع سيئة من أجل الخروج مع تنظيمهم. وفي جانب الأسرة، يعيّن التبليغيون في كل مدينة ما يشبه الأسرة يُسمونهم «الأحباب»، يتزعمهم ما يسمى بـ «الأمير» وقد يكون في المدينة الواحدة أكثر من أسرة وأمير بناء على حجم المدينة.
يقول حسن البنا في رسائله: «أما وجه الخلاف بيننا وبينهم، أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية»، وقال عمر التلمساني، المرشد الثالث للإخوان، مؤكداً نفس المفهوم الإخواني للوطنية: «حدود الوطنية عند الإخوان مقيدة بالعقيدة لا بالحدود الجغرافية» وهذا تحريف واضح لمفهوم الوطنية وشطب للوطن بحدوده الجغرافية إلى وطنية المبادئ والمعتقدات.
مفهوم «الأمة الإسلامية» من ضمن المفاهيم المغلوطة في الفكر الصحوي وتحديداً جماعة الإخوان الإرهابية وجماعة التبليغ، التي دوماً تكرر لفظ الأمة وتجعله بديلاً للوطن القُطري، واختلاق تعارض موهوم بين الوطن والأمة، وهذا خلل في الفهم والتصور. هذه الحقائق وغيرها تؤكد لكل مطلع، أن حقوق الوطن عند الفكر الصحوي عموماً والإخواني خصوصاً مهدرة، لأن الوطن في حد ذاته، لا قيمة له عندهم البتة.
يقول حسن البنا في رسائله أيضا «الإسلام هو الوطن والجنسية»! ويقول سيد قطب «جنسية المسلم عقيدته».
هم يجعلون بين الدين والوطن عداء لا ينقضي، أليس بمقدورك أن تكون متديناً ووطنياً؟