يهتم العالم بمنظماته المختلفة وشعوبه وجهاته الرسمية المعنية، بالاحتفاء بالأيام المخصصة للتقدير والتثمين والتضخيم أحياناً، لمجالات معينة أو لأحداث هامة بصفة العموم، ولما هو متعلق منها بجهود الإنسان مهنياً وحقوقياً وإنسانياً على صفة الخصوص، وذلك جميعه بهدف لفت الأنظار إليه والتذكير به والتحفيز نحو دعمه والدفع نحو الحرص على تقديم مزيد من الخدمات والإنجازات والتقدير الذي يستحقه ذلك الإنسان، لكونه يتحمل مسؤولية كافة العطاءات البشرية والحصاد التنموي للمجتمع الدولي بإيجابياته وإخفاقاته، بل وفي كافة القطاعات التي يتشكل منها الكيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، فهو الذي يحكم علاقاتها الخارجية والداخلية، بالتنظيم وجودة الإدارة والإخلاص في الأداء، نحو تحقيق تطلعاتها والنهوض بها، أو يدفعها نحو تعثر مسيرتها التنموية وتشتيت جهودها ونفقاتها، فيكون حجر عثرة أمام تحقيق أهدافها وآمالها كدولة وكمواطنين.
وبمناسبة يوم المرأة العالمي فإننا نهنئ أنفسنا كمواطنين بدايةً وكنساء خاصةً، بأننا في ظل دولة تحمي حقوق المرأة وحاجاتها، وتحرص على الحفاظ على أمنها وكرامتها وإنسانيتها، بحكم التزامنا بتطبيق تعاليم ديننا الحنيف في تنظيم سياساتنا ونظامنا المجتمعي وغيره، وبما يتعلق به من مستجدات تستحق دوماً الالتفات إليها؛ للوقوف على واقعها الفعلي، وما مدى مواءمة الأنظمة والتشريعات المؤسسية القائمة عليها لحاضرنا اليوم؛ لمتابعتها وتقييم جدواها وتأثيرها إيجاباً وسلباً، في تلبية حاجاتنا المتنامية والمتغيرة أحياناً كثيرة بحكم متغيرات العصر المتسارعة، وفي ذلك إدراك واع لحجم المسؤولية التي يتحملها الإنسان من ذكر أو أنثى.
ومن العرفان بالجميل، ومن الواجب الوطني والإنساني تقديم وافر التقدير والاحترام لقيادتنا الحكيمة، فيما أولته من متابعة واهتمام وتطوير في الأنظمة والتشريعات الخاصة بالمرأة، علاوة على ما استجد من أنظمة وسياسات وقرارات، مُنحت بموجبها المرأة مزيدا من التمكين والتقدير لإنسانيتها، وتأكيداً على الاهتمام بوجودها وتفاعلها كشريك أساسي يساهم في تنمية المجتمع ورقيه.
ولعله من الواجب، الإضافة في يوم المرأة العالمي، بأن منهج التمكين للمرأة هو عملية متكاملة تعمل كمنظومة يساند بعضها بعضاً ليكون التمكين في صورته المستهدفة، التي تخدم تطلعات المرأة والوطن، بما يمُكِّنها من تحقيق المساهمة والمشاركة الفاعلة في جميع مجالات الحياة العامة؛ لبناء القاعدة البشرية الوطنية، ولتحمل مسؤولية القيادة الإدارية والمجتمعية في القطاعات المختلفة التي تحتاج وجود المرأة المواطنة فيها، كعنصر وطني شريك في التنمية وبرؤية مختلفة، تساهم في استكمال الصورة المجتمعية التي أوجدها الله في بناء المجتمعات، والتي يمثل فيها كل من المرأة والرجل طرفي معادلة؛ تتوازن بالشراكة في المسؤولية والقيادة وتختل باستحواذ طرف على مسؤوليات الآخر وعلى سلطته وإرادته، وبما يؤدي إلى القضاء على وجوده الفطري في المجتمع أو إضعاف تأثيره، لأن تلك المرأة القادرة على تربية أفراد المجتمع ليكونوا قادة ومسؤولين، قادرة كذلك على أن تتحمل تلك المسؤولية التي ربّت النشء عليها بجميع ما يتصل بذلك من معايير ومتطلبات وصفات وخلق ودين وغيره، فتربيتها وإعدادها يعكسان تلك السلوكيات الإيجابية التي زرعت في نفوس الأبناء، وبها وجهت عقولهم وطرق تفكيرهم نحو الصالح من الأعمال والجودة في الأداء والتميز بين الأقران.
وحتى يمكننا تحقيق تمكين المرأة بصورته المتكاملة المطلوبة؛ نحتاج لوعي عام وإدراك مجتمعي، بأن المرأة اليوم بما تمكنت به من تعليم ووعي وإطلاع؛ تختلف عن المرأة بالأمس تماماً في كثير من مؤهلاتها التي مكنتها، وفي الظروف المعقدة التي تعيشها والتي فرضتها الحداثة عليها بجميع متطلباتها، وليس في ذلك إقلال من شأن أمهاتنا القديرات اللاتي أنجبن وربين جيلا من خيرة الأجيال، لكن لا بد وأن توزن الأمور وتقاس بمقياسها الصحيح، لا بد وأن تختلف النظرة للمرأة اليوم بما يناسب مستوى تعليمها وتخصصها ومسؤولياتها التي تتحمل إدارتها، في ظل الظروف القائمة المعاصرة، وليس بمنظور قديم اختلفت مقوماته، وذلك بعد أن ازدادت مسؤولياتها وتشعبت في نوعها وحجمها، وكأنه ضريبة التعليم عليها وثمنه الذي مكّنها من الاطلاع والوقوف على كثير من إشكاليات الحياة، بل وفرضت عليها الظروف أحيانا كثيرة، التفرد بالقيادة وتحمل المسؤولية الكاملة عن نفسها أو عنها وأبنائها ومن هم في كنفها الأسري ممن يحتاجونها.
وعلى الرغم من أننا نُثمن وبقوة جميع ما تم إصداره وتشريعه من قوانين ولوائح تخدم تمكين المرأة، وتزيد من صلاحياتها الشخصية ومستحقاتها الإنسانية كشريك أساس في التنمية؛ إلا أنه في الحقيقة لا زلنا نتطلع للمزيد من المستحقات، ليس للرفاهية أو من جانب المطالبة بالمساواة بين الجنسين التي تنادي به المنظمات الحقوقية الدولية ومنظمات التنمية البشرية، التي ترى أن تهميش المرأة من المشاركة المتوازنة في المجتمع؛ يؤدي إلى تخلفه كما يؤدي إلى حرمان المجتمع من طاقات بشرية يمكنها أن تساهم في تنميته، وإنما من جانب الحاجة الماسة والضرورة الملحة التي استوجبتها متطلبات العصر ومتغيرات المجتمع.
ومما لا يخفى علينا أنه في ظل «استثناء بعض» من صلاحيات تُمكن المرأة من نفسها في الأخذ بقراراتها الشخصية ومن تعول، أو منعها من حرية البت فيما يتعلق بها من مستحقات وتطلعات مختلفة سواء أكانت علمية أو اجتماعية أو صحية؛ ليعُتبر انتقاصا كبيرا في حق المرأة، وسبباً كبيراً في إعاقتها عن الإنجاز بل وتعطيل شؤونها وتعقيد أمورها الخاصة، التي هي أولى من يعُنى بها ويتحملها ويُقدِر تبعاتها، فالمرأة اليوم لا تحتاج لابنها أو لأخيها أو لزوجها أو غيره، لمنحها صلاحية إصدار الجواز الخاص بها وكذلك بأبنائها الأطفال، أو منحها حق الموافقة على السفر أو الدراسة أو العمل وغيره سواء في الخارج أو الداخل، بل وحتى الابنة متى بلغت سن الرشد وليكن عشرين عاماً، لا بد وأن تمنح الحقوق الخاصة بها كإنسان قادر على تدبير أموره وتصريفها، فذلك جزء من زرع الثقة بالنفس بالأبناء وطريق نحو بناء شخصياتهم المعتمدة على ذواتها، والمستقلة القادرة على تحمل المسؤولية، أما البنات اللواتي دون العشرين فلتكن تلك الصلاحيات من مستحقات الأم، كما هي للأب فهما سواء وشركاء في إعالة أبنائهما وتربيتهم.
لا بد وأن نستفيد مما يجري حولنا وبيننا من أحداث ومشكلات وانتهاكات أسرية وشكاوى مختلفة، تمتلئ بها المحاكم دون جدوى تُذكر سوى تعطيل الحقوق وحرمان كل ذي حقٍ حقه، كما يتناولها الإعلام المغرض وغيره للنيل من حجم منجزاتنا والطعن في مستوى حرياتنا، لا نعترض بالطبع على ما يفرضه ديننا الحنيف ولكن نطالب بالابتعاد عن الموروثات الاجتماعية من العادات والتقاليد التي فرضها المجتمع، لتُقيد حرية المرأة وتحول دون تحصيلها حقوقها، التي لم ينزل بها ديننا، صحيح أن هناك من الآباء والأزواج والأخوان من لا يكونون عائقاً إطلاقاً، ولكن هناك كثير عكس ذلك وقد حرمت الإناث ممن يتولون أمرهن، من كثير من مستحقاتهن وحاجاتهن وفرصهن في الحياة، ولذلك نأمل صدور قرار يرفع الولاية عن المرأة مع إطلالة عام 2019 كاحتفاء وتقدير ليوم المرأة العالمي، فبعد منحها حق القيادة بعد سنوات من الجدل المجتمعي والشوري حوله بقرار سيادي واع، لاستكمال التطلع الوطني نحو تمكين المرأة، فإننا نأمل ونتطلع لإسقاط حق الولاية على المرأة بقرار سيادي كذلك، ولأن جميع مقومات التمكين التي مُنحت إياها المرأة تظل مبتورة وضعيفة التأثير، في حال حرمان المرأة من حريتها الشخصية في التصرف في أمورها أو إمكانية اتخاذ قرار خاص بها وبأسرتها وبمن تعول.