نواف العنزي
يقول ويلسون ميزنر «كن لطيفا مع الناس في طريقك للصعود، لأنك ستقابلهم مجددا في طريقك للهبوط».
نحتاج أن نغرس مثل هذه الحكم الجميلة في نفوس المولعين بالقمة وعالم الأضواء، لنذكرهم بأن شبح الهبوط أمر حتمي ينتظرهم، مهما طال صعودهم وسطع نجمهم، لأنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع!
قال نبينا، صلاة ربي وسلامه عليه، «إن حقا على الله ما رفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه» رواه البخاري.
إن سنن الله في الأرض لا تحابي أحدا، وقد كتبها الله على الجميع بعلمه وعدله وحكمته.
يهيئ للبعض أسباب التوفيق والنجاح والانطلاق، امتحانا لهم لينظر كيف يعملون! ويسد في طريق البعض طريق النجاح، لينظر هل يصبرون ويحمدون أم يتسخطون على ربهم ويتبرمون!
فمن رسب في الامتحان فله الويل والعذاب، لقد قصّ الله علينا قصة قارون في كتابه المبين، لتكون نبراسا وعبرة للمعتبرين في آيات تتلى إلى يوم الدين: «إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين».
لقد بلغ قارون القمم في الكنوز والأموال، فبماذا قابل هذه الكنوز التي وهبها الله له، وهذه الأموال التي مفاتيحها يعجز عنها الأقوياء من الرجال، قابلها بالجحود ونسبها إلى علمه وفهمه وحسن تخطيطه وتدبيره، فماذا فعل به الله، قال الله «فخسفنا به وبداره الأرض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين».
ليست المشكلة في طلب الصعود إلى القمة، لأنها حظ من حظوظ الدنيا المشروعة، لكن المشكلة أن تعتقد أن وصولك وصعودك إليها هو بجدك وجهدك، وتجحد فضل الله عليك وتتكبر على الناس بها، لأنك إن فعلت ربما يمهلك الله، لكنه سيريك حجمك وضعفك حتى تعلم أن ما حققت إنما هو بفضله ونعمته عليك، فكن شاكرا لله لأن الله يحب الشاكرين ويزيد الشاكرين، ولا تكن من الجاحدين لأنهم من المهلكين.
بعض المديرين عندما يتربع على هرم قطاع أو مصلحة حكومية، يظن أنها أصبحت ملكه، فيعامل الموظفين بفوقية والمراجعين بعنجهية، وربما يستأثر ببعض مرافقها!
فما يلبث أن تمر السنون سريعا، وإذا به أمام شبح التقاعد، عندها يقول يا ليتني أعود لأمحو أخطائي وأطمس زلاتي!
كذلك بعض أصحاب الثروات، يظن أنه ملك الدنيا بأسرها، فينظر إلى الناس من برج عاجيّ، فيسرقه الزمن، وإذا به في أرذل العمر، حيث الضعف والخور والمرض وربما الخرف، ليدرك أن هذا المال غير قادر إلى إعادة إكسير الحياة إليه، فيحس أنه ليست له قيمة ما دام أنه غير قادر على الاستمتاع به، وأن الناس تركوه، وولّوا عنه، وما للمرء خير في حياة.... إذا ما عد من سقط المتاع
ونحتاج أن نعلم أن الصعود الحقيقي هو في ميزانك عند الله «والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا»، فتزودوا منها وثقّلوا موازينكم عند ربكم، فهي خير لكم من الدنيا وما فيها.
إن رحلتك في الحياة قصيرة أيها الإنسان، اختصرها لك الله في ثلاث آيات بينات: «من نطفة خلقه فقدره. ثم السبيل يسره. ثم أماته فأقبره»، فإذا علمت أن هذا ملخص حياتك، وأن نهايتك التراب، فعلام البطر والأشر، وعلام الكبر والتعالي، إن هذا لشيء عُجاب.
لذلك، اعلمْ أن النجاح الحقيقي أن تعيش مرتاحا، ولن ترتاح إلا إذا أيقنت أن أمورك كلها بيد العليم الفتاح، فإن نجحت فبتوفيقه، وإن لم يحالفك التوفيق فبحكمته، فأحسن الظن به بأن ما كتب لك هو خير لك، ولو فتح لك علم الغيب لما اخترت إلا ما اختاره لك، وإن نجح الناس حولك، فذلك فضل الله عليهم، يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، عندها تكن من أسعد الناس وأطيبهم نفسا، وأهنئهم عيشا.