تتمتع -و«تبتلى» في الوقت ذاته- مناطق الشريط السياحي، من البشائر إلى بللسمر جنوبا، بجبال من الضباب المتراكم عالي الكثافة، حتى يتجول أحدهم وسطه وكأنه في حلم، فإذا أخرج يده لم يكد يراها، ظلمات بعضها فوق بعض!
هذه الأجواء لها وجهان في تمثّلها على أرض الواقع، فيمكنك أن تسميها أجواء «لندنية» لمن ليس في حاجة إلى الذهاب خارج مسكنه، إما لعمل أو لتوصيل أطفاله إلى مدارسهم «وقليل ما هم»، ويمكنك أن تسميها أجواء «جحيمية» لمن هو على موعد يومي للخروج وتوصيل الأبناء.
لا شك أنها بلندنيتها وجحيمها أقدار إلهية تستوجب الحمد والتسليم، لكن الذي لا يمكن فهمه أن تتردد الجهات المعنية، ممثلة في مكاتب وزارة التربية والتعليم، عن تعليق الدراسة في مثل هذه الأجواء القاتلة، شديدة الخطورة مروريا على فلذات الأكباد خصوصا، وأولياء الأمور عموما.
والواضح أن الوزارة ليست لديها آلية واضحة تجاه هذا الأمر، وإن كان لديها مما لا نعلمه، فلماذا تعريض أرواح الناس للموت، وعدم تنفيذ الآليات المعدة للتعليق؟.
والغريب جدا في الأمر، أن تجد المناطق الأقل تأثرا «بلقرن»، يعلق مكتبها التعليمي الدراسة مشكورا وأصاب، بينما تجده في النماص وبللسمر الأشد كثافة لم يحرك ساكنا! ومن هذا التغاير اللامنطقي، يتأكد لي -استنتاجا- أن لا آلية واضحة في وزارة التربية والتعليم لتعليق الدراسة، فهي ترتبط مباشرة برأي مدير مكتب التعليم، ولا أحبذ أن يتكرر ما تكرر السنة الماضية، من تمادي مديري مكتب التعليم في تعليق الدراسة، والذي يحفظ أرواح الناس حتى تضطر إمارات المناطق إلى الاضطلاع بالأمر واعتماد التعليق الذي هو من شأن إدارات التعليم بالدرجة الأولى.
في رأيي، أن هذا -بشكل عام- يعود بصفة التقصير على مسؤولي التعليم، أو بسوء اتخاذ القرار ربما، والذي أحبّذه مرة أخرى -وببساطة- أن يفتح مدير مكتب التعليم نافذة منزله في الصباح الباكر، ويرى بعينه حالة الطقس، وإن كان هذا شاقّا عليه فليتواصل مع مصلحة الأرصاد، فما أظنها ستبخل عليه بموافاته بتقرير يومي مفصل عن حالة الطقس، وربما أعدت برنامجا ذكيّا يعطي معلومات من هذا النوع، المهم أن يتحرك مديرو مكاتب التربية والتعليم، وليعتمد وزيرهم آلية واضحة «تعمل» لا لشيء إلا لحفظ دماء الناس.
ختاما، ففي هذا «الشريط الأخضر» الجميل يجتمع أضداد ما بين الجمال والدموية. فأمطار هامية ثجاجة، وضباب أليل متراكم، وتهور مراهقين لا يدركون قيمة الروح، وضيق شوارع تفتقر إلى تجهيز ما يلائم الضباب، وتردد شاحنات تباغتك بضخامة العجلات وعملقتها، والناتج المنطقي لجمع هذه العناصر في معادلة رياضية يساوي «الموت» الحتمي، فإلى متى؟!