منذ فترة ليست بالقصيرة كتبت هنا مقالا رجوت فيه أن يكون لدينا «قائمة سوداء» تتضمن أسماء من يسمون أنفسهم بـ«إعلاميين»، وهم ليسوا بأكثر من هواة لوسائل التواصل الاجتماعي، رقصوا كثيرا نشوة وطربا فرحين بلقب «المشاهير»، وظنوا حينها أن «الإعلام» ليست له رسالة ولا يحمل هدفا، فراحوا يخلطون الحابل بالنابل، يتراقصون، يغنون، يفتون، يمارسون دور المستشارين في كل المجالات، يقومون بأدوار الطبيب والمختص التربوي، والمعلن للسلع التجارية والمطاعم، ويقومون أحيانا بدور الواعظ، بعض هؤلاء من «ربعنا» وبعضهم ممن وصل به الأمر إلى أن يتحدث باسم «المجتمع السعودي»، وكأن المجتمع قد أنابهم يتحدثون باسمه، يفصّلون ويخيطون في قضاياه!
مع الأسف بعض هؤلاء لا يزالون يطلون علينا عبر مسرح «الاستاند كوميدي» الذي لم يعد له جمهور، وعبر «حساباتهم»، إلا أن الأمر تطور عند بعضهم، فلم يخجل من أن يسيء إلى المجتمع السعودي المحافظ، ووصلت الجراءة بأحدهم إلى أن يقدم دروسا في «الغزل والمعاكسات»، ومع الأسف بعدها بأيام أطل علينا عبر برنامج عرف عنه أنه «تلميع» من أسميناهم في غفلة بـ«المشاهير»، ليقول للمشاهدين بكل بساطة «معليش لم أكن موفقا».
ما إن انتهينا منه حتى أطل علينا آخر أيضا من فوق خشبة مسرح «الاستاند كوميدي»، ليعزف مقطوعة من النكات السامجة ضد «هيئة الأمر بالمعروف»، ليجد موجات الضحك والسخرية من أفواه جمهوره الذي قبل سماعه، ظنا أن إساءاته سيمررها المجتمع ويقبلها.
ولم نكد ننتهي من هذا وذاك، ليأتي إلينا شخص آخر «يستخف دمه» لم تعجبه «البداوة» فأخذها فقرة ليتندر عليها، وسط تصفيق حار ويا للعجب! ما علم أن ثلاثة أرباع السعوديين بدو، وبدلا من أن يجد واحدا من بين الحاضرين يقول له «كفى تهريجا» فنحن البدو أحفاد الأوائل الذين عملوا في أرامكو، وأتقنوا الإنجليزية والصناعة، وفلحوا الأرض وزرعوها، وجابوا دولا ومواني يمارسون عبرها التجارة، ونحن أبناء من عمّروا هذا الصحراء، وها نحن أبناؤهم ندرس في أرقى الجامعات، ونطرق كل ميدان بعز وشموخ، ولم تكن البداوة يوما ما «سبة أو شتيمة» فماذا صنعت غير هذه النكات؟! إلا أنه مع الأسف لم يجد من يصفعه بهذه الكلمات، فقد وجد جمهورا يضحك ويصفق! وكان «الفعل المشترك» في كل المسرحيات الثلاث وربما هناك غيرها، والعذر الجامع لهم «معليش لم نوفق»! عجبي.
بالأمس القريب فرحنا بولادة برنامج وطني في إحدى فضائياتنا، قلنا سيتناول كثيرا من القضايا المحلية، وسيتم نقاشها بعقلانية بعيدا عن لغة التهويل والاستفزاز، التي لا تمت للغة الإعلام الرصين بصلة، إلا أنه لم يوفق في تناول قضية اجتماعية لم يكن «وقت اختيارها جيدا»، وهو كإعلامي يرى الهجمات الخارجية تجاه بلادنا، صحيح أزعجتنا طويلا، لكن ليس صحيحا الترويج أن وراء هروب الفتيات هو العنف الأسري، لأن هناك جهات حكومية وأهلية قد تلجأ إليها الفتاة المعّنفة لو أرادت، فلسنا في غابة، نحن في بلد فيه مؤسسات اجتماعية لهذا الغرض، بلد لديه القدرة على حماية مواطنيه، وكل من يواجه التعنيف، وليس صحيحا أن فتاة واجهت العنف في بلدها «تلجأ» إلى المغامرة والمخاطرة للعيش في بلد تعرف أن فيه من الجرائم المتنوعة ما يشيب لها الرأس، من القتل والاغتصاب، وعصابات المخدرات، والمشردين الذين يملؤون الشوارع «أن يوفر» لها الحماية! غير صحيح، ما لم يكن هناك دوافع أخرى للهرب، ومن يرد أن يعرف حقيقة «أسباب هروب الفتيات خارج الوطن» سيجد الجواب واضحا كوضوح الشمس في رائعة النهار في (تغريداتهم) التي تفضح أهداف هروبهم، وحديثهم الدائم عن «كوني حرة» وكفى!
وعلى كل حال الواقع يقول: إننا نريد إعلاما وطنيا معبرا عما وصلنا إليه من تقدم ونهضة، يواكب ما نحن مقبلون عليه من نماء ورؤية 2030، ونريد برامج إعلامية تثري وتناقش قضايانا بحكمة بحثا عن الحلول الناجحة، دون أن تجعل من الوطن والمواطن وقضايانا الداخلية «مادة دسمة» لتتناولها وسائل إعلام معادية بطريقة استغلال فاضحة تعري أهدافهم، كما يحدث الآن في قناة CNN وBBC وصحيفة واشنطن بوست وغيرها، التي تتلقف الفتيات السعوديات الهاربات، ليتحدثن بكل إساءات عن الوطن، ويرددن مزاعم باطلة، صحيح نحن لا ندعي أننا مجتمع مثالي خال من الأخطاء، لكننا لسنا بهذا السوء الذي تصوره لنا فضائيات الأعداء، التي تستغل بعض ما يتردد في بعض برامج فضائياتنا، وكأنهم في الغرب مجتمع الفضيلة الذي إليه تشد الرحال.