ربما يندهش القارئ من التشابه بين القهوة والنفط بعد قراءة هذا المقال، فبالرغم من أنهما يبدوان مختلفين، وأحدهما يشرب، والآخر لا، لكن قصتهما متشابهة. وفي نهاية اليوم كل شيء حولنا هو سياسة من نوع آخر، أو كما يقول الأب الروحي للواقعية الجديدة في السياسة، كينيث ولتزفيلسوف: «الدول في العالم مثل الأشخاص في حالة الطبيعة، ليسوا جيدين تماما وليسوا محكومين بالقانون».
القهوة تنتجها عدة دول، أكبرها وأشهرها البرازيل وفيتنام وكولومبيا وإندونيسيا وإثيوبيا. تنتج البرازيل حوالي 2.6 مليون طن من القهوة، وتحصل على حوالي 5.1 مليارات دولار سنويا من تصدير القهوة. إثيوبيا من أكبر المصدرين، وتجني حوالي ملياري دولار من تصدير القهوة، وهناك حوالي 2.25 مليار كوب من القهوة كل يوم في العالم. تقدر بزنس إنسايدر حجم تجارة القهوة العالمي بـ100 مليار دولار، وقد تتعجب وتقول حجم السوق العالمي بمئات المليارات وأكبر منتج بالعالم كل الذي يحصل عليه 5 مليارات تقريبا، وسيزيد استغرابك من معلومة أن شركة واحدة للقهوة والمشروبات، مثل ستاربكس إيراداتها السنوية أكثر من 22 مليارا! أي خمسة أضعاف دخل البرازيل من القهوة، مع أن ستاربكس يقال بشكل تقريبي، إنها تستهلك حوالي 40 ألف طن قهوة فقط، تزيد قليلا، يعني البرازيل تنتج حوالي 2.6 مليون طن قهوة وتحصل على 5 مليارات تقريبا، وستاربكس تستهلك 40 ألف طن فقط أي أجزاء بالمئة من إنتاج البرازيل وتحصل سنويا على 22 مليارا!
دعونا نذهب لقصة النفط، أغلب الدول الغربية تهاجم أوبك وتناديها بأقذع الألفاظ، وكل ما حصلت مشكلة اتهمت أوبك، من مشكلة الاحتباس الحراري، إلى موت سمكة في قعر المحيط، المتهمة أوبك، حتى لو طلق مواطن غربي زوجته، لقالوا بسبب غلاء الوقود، غضب وطلق زوجته، واتهموا الدول المنتجة للبترول بالتسبب في خراب البيوت. دعونا نرى من المستفيد الأكبر من النفط! كما تعرفون أن الدول الغربية تفرض ضرائب مرتفعة على النفط أكثر من قيمة بيع النفط أضعافا، وكمثال، في بريطانيا الضرائب على النفط تشكل 69% من قيمة بيع النفط، بينما الدول المنتجة تحصل على 19% فقط! يعني كل دولار تحصل عليه الدول المنتجة للنفط من بريطانيا فإن الحكومة البريطانية تحصل بالمقابل على 3 دولارات تقريبا، وإيطاليا تقريبا تحصل من الضرائب على النفط، ثلاثة أضعاف ما تحصل عليه الدول المنتجة، وألمانيا مشابهة إلى حد ما، وفرنسا تحصل من الضرائب على النفط ضعف ما تحصل عليه الدول المنتجة كأوبك مثلا. الدول الصناعية السبع تحصل على ضرائب من النفط (كمعدل) تقريبا ضعف ما تحصل عليه الدول المنتجة. بعد هذه الأرقام من الطماع؟! ومن الملام بارتفاع أسعار النفط ومن الذي يخرب البيوت!
أعطيكم مثالا آخر، طائرة مثل 787 دريملاينر، قيمتها حوالي 200 مليون دولار، تتكون من 50% من المواد المركبة، تركيبات قد تدخل فيها المركبات البلاستيكية، والتي عادة تصنع من النفط والغاز، يعني تصدر بضع مئات البراميل من النفط بسعر بسيط، لترجع تشتريها كمركبات بالملايين! حتى على المستوى البسيط بعض قطع السيارات تكلف آلاف الدولارات، وهي قطعة بسيطة من البلاستيك المصنع، ومواد التصنيع لا تشكل شيئا يذكر من قيمة البيع، وعندما تحصل مشكلة تلوث بلاستيك، ترمي الدول الغربية الموضوع على دول النفط والغاز، نفس قصة القهوة تتكرر!
للمعلومية القهوة هي ثاني سلعة في العالم في الانتشار والبيع بعد النفط، ألم أقل لكم إن القهوة والنفط يتشابهان!
عندما تدمر الغابات لزراعة نبات القهوة فإن الدول الغربية تزمجر وتتحجج بالطبيعة والحفاظ عليها، وهي أكبر مستهلك للقهوة، والسبب الرئيس لزيادة الإنتاج لأن الدول الغربية لا تدفع ثمنا عادلا للقهوة، فيضطر المزارعون المساكين في الدول النامية لزيادة الإنتاج وقطع الغابات لزراعة القهوة!
صدق أستاذنا كينيث عندما شرح أن هذا العالم والعلاقات بين الدول مبنية على الفوضى، أي لا يوجد نظام عادل بين الدول كما النظام المدني بين الأشخاص، لا يوجد شرطي عادل في العالم ليحكم بين الدول، بل القوي هو الذي يفرض مصالحه والأضعف هدفه البقاء على قيد الحياة. وحتى الأضعف في النظام الدولي ملام لأي شيء، فالغربيون بعد مئات السنين من الاستعمار للدول الأخرى بدؤوا الآن موضة اللوم، ووضع المشاكل على كاهل الدول الأضعف في النظام الدولي.