عطفاً على المقال السابق «كيف تكون دبلوماسيا تمثل وطنك» المنشور في هذه الصحيفة الموقرة، يحسن بنا تبني مبادرة شعبية لاكتساب تعاطف الرأي العام في الدول الأخرى من خلال الإخوة الوافدين المتواجدين في بلادنا، والذين يقارب تعدادهم 13 مليون نسمة، بحسب هيئة الإحصاء الوطنية لعام 2018.
في أزمنة تغيرت فيها طبيعة عناصر القوة، وأصبحت كل دولة تحرص على كسب معارك الأفئدة والأفكار والوصول إلى نبض الناس ومفاصل حركات المجتمع نجد أنفسنا، كسعوديين، أولى الناس وربما أحوجهم لهذه المبادرة القيمة، في نظري.
أقول أولى الناس بهذه المبادرة لكوننا نمتلك قيما ومبادئ وتراثا ومقومات عديدة يجدر بنا تقديمها للعالم الخارجي بصورها الزاهية من خلال شعوبهم المتواجدة بين ظهرانينا. الكثير منا يتحدث عن أهمية تقديم أنفسنا لشعوب العالم الآخر في بلدانهم وبين ظهرانيهم من خلال المنتديات والبرامج الدولية في العواصم والمدن العالمية، بينما تناسينا أن الأقرب من هذا هو كسب الشعوب المتواجدة في بلادنا وبين ظهرانينا ليعودوا إلى أوطانهم سفراء دائمون لنا ينقلون الانطباعات الإيجابية التي رأوها وعايشوها من خلال إقامتهم في بلادنا. نحن قد نسيء لبعضهم من خلال تعاملنا معهم في الأماكن العامة، غير أن عقد صداقات وعلاقات شخصية مع بعضهم وضيافتهم في دُورنا كفيلان بتصحيح بعض تلك السلوكيات الخاطئة.
ربما نستثني الأعزاء من الشعوب العربية والإسلامية المقيمة في وطننا من هذه المهمة، لكون تلك الشعوب الغالية علينا ليست غريبة علينا، ولا نحن غرباء عنها، فهي عليمة بتقاليدنا وقيمنا وبيننا وبينهم كثير من المشتركات، وعليه فإن تركيزنا سينصب باتجاه الوافدين إلينا من شعوب القارات الأميركية والأوروبية وبعض الدول الآسيوية والإفريقية.
مبادرتنا لا تهدف للتأثير على هؤلاء في جانب المعتقد، فهذه حرية شخصية بالتأكيد، وقد يثير الحديث عنها بعض النزاعات والخلافات الفكرية، الأمر الذي ضعف جدواه من خلال بعض الأنشطة الموجهة إلى الجاليات المقيمة بيننا، إنما نحن بصدد تقديم قيمنا على حقيقتها المتمثلة في الطيبة والتسامح والانفتاح على الآخر، وضيافة وطننا الكريم، سعودية الحب والسلام الذي يسكن قلب كل سعودي بالفطرة.
السياسات الدولية قد تفشل إذا أهملت مهمة التنافس على أجندة الشعوب، وعلى القيمة الإضافية الضافية التي يمنحها الرأي العام لتلك الأجندة، وبالتالي اكتساب التوظيف التلقائي لمشاعر ضيوفنا الكرام.
هذه المبادرة تصب فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية التي تهتم بها القوى العظمى، وتحاول من خلالها استخدام الثقافة الشعبية في خلق القوة الناعمة القادرة على تعزيز مصالحها، بيد أن لدينا نافذة أكبر من تلك النافذة لكوننا نملك ثقافات وقيما متنوعة أصيلة جديرة بالاستثمار لمصلحة الإنسان السعودي ووطنه.
في العصر الحديث يكتسب الرأي العام أهمية جوهرية، لهذا فإن الأنشطة الشعبية، غير الحكومية، هي الأقدر على التأثير في الأحداث العامة الدولية، بكل صورها، من خلال العلاقات الشخصية الفردية والأسرية بالشعوب الأخرى، والتي ربما تكون أقوى من العملة النقدية الصعبة، إن صح التعبير، لأنه، في عصر المعلومات، يكتسب الرأي الشعبي أهمية قصوى.
هناك أنشطة بهذا الصدد من قبل بعض المؤسسات المدنية والبرلمانات وجمعيات الصداقة لكنها أقرب إلى وتُعنى بالدور الخارجي وزيارات الوفود واستقبال نظرائهم، بينما العمل في الداخل هو الأولى لأن انطباع المقيم لبضع سنين، وقوة تأثيره على بني جنسه يختلفان، بلا شك، عن انطباع الزائر لبضعة أيام.
تكوين علاقات ودية مع الوافدين، وتقديم الحفاوة الشخصية، ومخاطبتهم مباشرة بأساليب وأدوات شعبية متنوعة، اعتماداً على البساطة والعلاقة الحميمة، يؤدي إلى تعاطفهم مع سياسات الوطن وأهدافه ونقل الصورة الذهنية الإيجابية عن بلدنا وأهله.