كشفت الهيئة العامة للإحصاء أن إجمالي السعوديين الباحثين عن عمل بلغ 906552 فردا، وكانت غالبية العدد إناثا، إذ مثّل الذكور منهم ثلث العدد، فيما كانت الإناث بمجموع 687535 أنثى.
تحدثت في مقالي -الخميس الماضي- عن أحد عوامل البطالة بالشكل العام «ذكور - إناث» تحت عنوان «تعليمنا الجامعي في وادٍ وسوق العمل في وادٍ آخر». ولكن بحكم تضخمها عند الإناث نتساءل: ما أسباب ذلك؟.
وبالعودة مرة أخرى إلى إحصاءات هيئة الإحصاء التي أشارت -عبر موقعها الإلكتروني- إلى أن إجمالي عدد سكان المملكة العربية السعودية في 2018، بلغ 33.413.660، وأضافت الهيئة أن من بين سكان المملكة أكثر من 14 مليونا من الإناث، وأكثر من 19 مليونا من الذكور.
وبالمقارنة بين إحصاء التعداد السكاني وإحصاء الباحثين عن عمل، نجد هناك فرقا كبيرا في الفرص الوظيفية المتاحة للمرأة، وبالتأكيد لهذه النتيجة المائلة أسباب كثيرة لا تعد ولا تحصى، غالبها اجتماعي بحت، وتبقى عقدة المرأة الاجتماعية والشرعية حجر عثرة في تقدمها.
يمتنع كثير من الإناث السعوديات عن العمل بحجة «الاختلاط». وقد وقفت على قصص كثيرة لعوائل كانت في أمسّ الحاجة إلى دخل شهري لهم، ورغم وجود إناث هذه العائلة الجامعيات الجاهزات للوظيفة التي تسدهم عن الحاجة، إلا أنها ترفضها بحجة حكمها الشرعي من ناحية الاختلاط.
تنوعت وتعددت المواعظ والفتاوى التي تحرم الاختلاط ، على الرغم من أنه لم تعرف النصوص الإسلامية جميعها، المعتمد عليها في استنباط وضع التشريعات والحدود، لم تعرف بتاتا مصطلحا يُسمى الاختلاط، بل كان المصطلح مجرد استحداث فقهي، جاء في إطار كونه خطوة مزيدة احترازية.
يقول وول ديورانت في كتابه «قصة الحضارة»: «لم تكن دمشق مدينة عربية، بل كانت من المدن القديمة التي خضعت لحكم الإغريق الذين يفرضون النقاب على نسائهم. وإن عادة حجب النساء عن الرجال موجودة من عهد البابليين، والبيوت في بابل كانت بها أجنحة خاصة للنساء، وإذا خرجن يصحبهن رقباء من الخدم. كما تتعدد القصص المنقولة عن حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- والتي تبين أنه لم يكن هناك فصل بين الذكر والأنثى .
لست هنا لأناقش وأفسر الحكم الشرعي للاختلاط، لقناعتي التامة أن سدّ ما يعتقد أنها ذرائع هو سدّ لمسارات الحياة الطبيعية التي يتفاعل ضمنها الإنسان -رجلا كان أم امرأة- والإسلام لم يأتِ أبدا ليعطل على الناس حياتهم، وإنما جاء ليمهدها ويسهلها لهم.
أتساءل: من خلال ما نراه اليوم من رفع الحصانة عن كثير من الأفكار الخاطئة، متى ستضحى هذه الفكرة بتفاعل أهل الفتاوى وتصحيحها، لإزالة هذه الغمّة عن الباحثات عن عمل؟.
وأنا أكاد أجزم أن ثلث عدد الباحثات عن العمل، عُرضت عليهن وظائف بنظام اختلاط بسيط ورواتب مجزية، واعتذرن عنها بناءً على فتاوى !
كما أن غالبية الباحثات عن العمل هنّ على أمل الحصول على وظيفة تعليمية أو إدارية عن طريق الخدمة المدنية «جدارة»، تمنعهن من الحرام أولا والعيب ثانيا من العمل في مكان مختلط، على الرغم من أنه مكان عام واختلاط بين جموع الناس وليس انفراديا، أو في أقسام نسائية منعزلة تحت إدارة رجالية.
من أجل الإسهام في الحد من بطالة الإناث لا بد من التصحيح، وتنظيف ترسبات فترة ما سميت بـ«الصحوة»، والعيب تجاه عمل المرأة المختلط ، خاصة أن ثقافة الفصل بين الجنسين تتعارض مع كل أبجديات الحياة الطبيعية .