في اجتماع مع أحد القياديين في وزارة الخارجية السعودية، اطّلعنا على خطط وإستراتيجيات الدبلوماسية العامة للخارجية السعودية، الأمر الذي رأيت الكتابة عن هذا الموضوع للتثقيف وإبداء الرأي الشخصي في هذا الباب.
يُذكر أن رجل الدولة والدبلوماسي الأميركي بنجامين فرانكلين، هو أول من استخدم ما عرف لاحقا بالدبلوماسية العامة، والتي تُعنى بها بعض الدول الفاعلة، وعليها يتم تشكيل مفاهيم الدول والشعوب والمؤسسات العامة والمدنية، بحسب نشاط تلك الدول وقوة فاعلية وسائلها في هذا المجال.
الجميع يسمع بالدبلوماسية، وهو المسمى الذي يتبادر لأذهاننا بأنه ذلك العمل السياسي المعقّد الذي لا أحد يستطيع فهمه، سوى أصحاب الاختصاص، وهذا صحيح إلى حد ما، غير أن الدبلوماسية العامة لها مفهوم آخر أكثر أريحية وأكثر شمولية، الأمر الذي يجعل لي ولك أيها القارئ الكريم وكل مواطن دورا فاعلا في هذه الجزئية من الدبلوماسية الجديدة. قد يقول قائل هذا الأمر ليس بجديد، فنحن دوما نتداول مقولة «المسافر سفير لوطنه» و«كن خير سفير لوطنك»، والعبارة الأخيرة نراها دائما عند مغادرتنا لأراضي الوطن إلا أن الأمر أكبر من ذلك، لا سيما في هذه المرحلة وما يليها من مراحل قادمة.
أجندة هذه الدبلوماسية الجديدة، إن صح التعبير، تشمل كافة الشعوب خارج الوطن وداخله بكل شرائح ومكونات الوطن من عامة الناس وخاصتهم، ولهذا تسمى أيضا «الدبلوماسية الشعبية». في أوساط الأوطان هناك ما يسمى بالقوى الناعمة التي يُفترض توظيفها لخدمة الوطن، والتي تستوعب الثقافات والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ، فضلا عن القوى البشرية الفاعلة كالعلماء والمثقفين والأدباء ورجال الأعمال والفنانين والرياضيين، وغيرهم ممن لهم إسهامات وطنية بارزة، ولهذا فهي تسمى أيضا «الدبلوماسية الناعمة».
المواطن البسيط الذي ليس من هذه الفئات يمكنه أن يكون أيضا سفيرا لوطنه ليس في الخارج فحسب، بل في داخل الوطن، من خلال حسن التعامل مع الوافد الكريم أيا كانت جغرافية بلده على سطح الأرض، وتتضاعف الجهود حين يكون الوافد من بلاد غربية أو شرقية لا تعرف عنا إلا ما يبثه الإعلام المعادي لبلادنا. إن تبني استضافة بعض الوافدين وأسرهم في منازلنا وإكرامهم وإظهار ما لدينا من قيم الكرم والضيافة والتسامح معهم، باختلاف توجهاتهم الفكرية والعقدية، سيكون له الأثر العميق عند عودتهم إلى ديارهم، وتحسين الصورة السلبية التي تبثها بعض المنصات الإعلامية المغرضة بمباركة من بعض مواطنينا المتشددين اجتماعيا ودينيا.
نحن، كمواطنين، أحوج ما نكون إلى توظيف الدبلوماسية العامة الجديدة مع الوافدين عموما والغربيين تحديدا في الأماكن العامة وفي حياتنا الخاصة أيضا، إذ ليس مستساغا أن يظل الوافد في بلدنا سنوات، تطول أو تقصر، دون أن يدلف بيت مواطن سعودي، ضيفا على فنجال قهوة، أو يدعوه إلى رحلة برية، مخيم، جلسة بحرية، مناسبة زواج، أو مناسبات أعياد لاكتساب علاقات حميمية وإظهار صور إيجابية لثقافاتنا وقيمنا، والتي في النهاية ستُجيّر باسم الوطن.
إنك حين تستضيف وافدا في بيتك إنما أنت، في حقيقة الأمر، تستضيف وطنين، وليس مجرد فرد أو أسرة فحسب. الوطن الأول هو وطنك الذي تُكرمه من خلال فتح باب مجلسك للوافد ليرى بقعة صغيرة من الوطن السعودي الكبير، فالأوطان لا تُعرف جيدا من خلال معالمها أو متاحفها أو أسواقها فحسب، بل من خلال تلك التفاصيل البسيطة في حياتنا الإنسانية الخاصة.
الوطن الثاني الذي نستضيفه عبر استضافة الوافد شخصيا، هو وطن الوافد الذي يلج إلى منازلنا وإلى مناسباتنا العامة والخاصة بكل حفاوة ليعود «قوة ناعمة» حقيقية لبلدنا، لأنه حين يخبر معارفه بهذا الفعل الشهم فهو سيتحدث عن استضافة مواطن سعودي له بغض النظر عن اسمك الذي قد ينساه هو وينساه المتلقي.
ربما لا يتخيل أحدنا معنى فتح باب منزله لضيافة وافد، على فنجال قهوة وحبة تمر، لكون هذا عملا نبيلا عند كثير من الغرباء الذين يعرفون، من خلال مصادرهم، أن المنزل العربي -خصوصا السعودي- له حرمة وقدسية خاصة جدا.
وللحديث بقية.