«باكستان ستصبح دولة قوية قريبا، وسنكون شركاء كما كنا دوما، وهي دولة عزيزة على الشعب السعودي بكافة أطيافه»، بهذه الكلمات المعبّرة وصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عمق وقوة العلاقة التي تجمع البلدين الشقيقين، اللذين ظلا على الدوام يتمتعان بعلاقات راسخة ومتينة، بدأت منذ ما قبل إعلان دولة باكستان استقلالها عن الهند، وهو الحق الذي دعمته المملكة بقوة، انطلاقا من عناصر متعددة في طليعتها الأخوة الإسلامية، ولم تقتصر علاقات البلدين على ذلك فقط، بل ظلت تزداد رسوخا ومتانة على مر السنين، حتى أصبحت أنموذجا يحتذى ومثالا يقتدى. ولا يقف مفهوم مصطلح القوة الذي استخدمه ولي العهد السعودي على القوة العسكرية فقط، فالمعلوم أن باكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك قدرات نووية نوعية كفيلة بردع كل من تسول له نفسه تهديد أمنها واستقرارها، لذلك فالمقصود كان هو القوة الاقتصادية، عبر تقديم يد العون للاقتصاد الباكستاني ومساعدته على تجاوز المصاعب التي يمر بها، وتحقيق التطور والازدهار للشعب المسلم الشقيق.
الزيارة التي جاءت في افتتاحية جولة آسيوية للأمير محمد، تشمل عددا من الدول الآسيوية، وضعت النقاط على الحروف، وأكدت تميز المكانة الكبيرة التي تحظى بها المملكة لدى باكستان، بدءا من الاستقبال الاستثنائي للضيف الكبير، وتسابق كل طوائف وفئات الشعب الباكستاني للترحيب بمقدمه، وانتهاء بتوقيع اتفاقيات نوعية تحمل الخير للجانبين في شتى المجالات الاقتصادية والعسكرية والإنسانية. كما تكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة بأسرها، انطلاقا من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إسلام أباد، والتي فرضت على الرياض زيادة دعمها وتأكيد وقوفها إلى جانب حليفتها، ليس على المستوى التقليدي الذي يقف عند حدود التبرع والقروض والودائع، بل اتخذ طابعا عمليا يتمثل في توقيع سبع اتفاقيات تجاوزت قيمتها 20 مليار دولار، شملت قطاعات النفط والطاقة المتجدّدة والمعادن، إضافة إلى مصفاة أرامكو في ميناء جوادر الباكستاني، والتي تعد من الأكبر في العالم، حيث بلغت قيمتها 10 مليارات دولار، كما تركز الاتفاقيات على توفير الفرص للشباب لتمكينهم من لعب دور رئيس في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وحتما فإن هذا التنوع سوف يساعد على تعزيز الأنشطة التجارية والاقتصادية في البلاد.
البعد الأمني لم يكن غائبا في أجندة المواضيع التي تم بحثها خلال الزيارة، لا سيما مع تزايد الدور الإيراني السلبي بالتدخل في شؤون دول المنطقة، وسعي طهران المتواصل إلى افتعال المشكلات وزيادة بؤر التوتر، عبر تأجيج النعرات الطائفية، واختلاق مشكلات مذهبية لم تكن موجودة في السابق، وهو ما عانته كل من الرياض وإسلام أباد، لذلك فإن الحل لاستعادة الأمن والهدوء بالمنطقة يتمثل في تسريع الجهود الرامية لإيجاد حائط صد متين للمطامع الإيرانية غير المشروعة، وتفعيل التضامن والتنسيق المشترك بين كافة دول المنطقة، وهو ما فعلته الرياض وإسلام أباد، وحاولت طهران استباقه عبر توجيه الاتهامات العشوائية غير المستندة إلى أدلة، فيما يتعلق بهجوم زاهدان الأخير، وهي الاتهامات التي رد عليها وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير بالقول، إن طهران التي اعتادت التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعد الراعي الأكبر للإرهاب، لا يحق لها اتهام الآخرين بما ظلت تفعله، لتعلق عليها مسؤولية مشاكلها الداخلية. كذلك لا يمكن في سياق الحديث عن تميز العلاقات السعودية الباكستانية تجاهل أن باكستان كانت في طليعة الدول التي شاركت بفاعلية في التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وأكد قادتها أن أمن المملكة خط أحمر، وأنها لا يمكن السماح تحت أي ظرف بتهديده.
نقطة أخرى جديرة بالانتباه، تتمثل في أن الدعم القوي الواضح الذي تقدمه المملكة لحليفتها باكستان لا يعني بأي حال من الأحوال، ولم يتم تفسيره في أي وقت من الأوقات، على أنه ضد جارتها الهند، فالعلاقات بين الرياض ونيودلهي ظلت هي الأخرى مثالا للعلاقات المبنية على الاحترام المتبادل، والتعامل القائم على تبادل المنافع والمصالح المشتركة، لذلك فإن الأمير الشاب ما إن غادر باكستان حتى حطّ رحاله في الهند، في تأكيد لحرص المملكة على مواصلة لعب دور رمانة الميزان في العلاقات الباكستانية الهندية، ومساعيها المتواصلة إلى نزع فتيل التوتر بينهما، وهو ما أكد عليه ولي العهد السعودي الذي جدّد التأكيد في تصريحاته بإسلام أباد على أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل المشكلات، وهذا منهج سعودي أصيل يؤكد أن السبيل الوحيد للتنمية والتقدم لا يمكن أن يكون بواسطة فوهات البنادق والاحتراب، بل عبر التفاهم والاستقرار والأمن.
المحطة الثالثة في الجولة الآسيوية كانت الصين، التي سارعت وزارة خارجيتها على تأكيد تطلع بكين إلى تدشين حقبة جديدة من التعاون الإستراتيجي الشامل بين البلدين في مختلف المجالات، وبدء مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بينهما، حيث سيشهد ولي العهد السعودي والرئيس الصيني شي جين بينج، انعقاد اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة، لطرح عشرات المشاريع الحيوية والاتفاقيات في المجالات كافة، بهدف دعم التطور الكبير في علاقات البلدين وتوثيق التعاون بشأن مشروع «الحزام والطريق»، مؤكدا أن هذه الزيارة، تعني لبلاده كثيرا، لذلك توليها بالغ الأهمية، لأنها حلقة جديدة من حلقات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي على أعلى مستوى.
هكذا هي بلادنا دوما، وهذا هو العهد بقادتها، كالغيث، أينما وقع نفع، وهكذا يقابلهم مسؤولو الدول الأخرى بمنتهى الحفاوة، فيجدون لديهم كل الاحترام والتقدير، نتيجة للسياسة التي تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتقديم الدعم للأشقاء والأصدقاء، في تأكيد عملي على أن الدولة التي شرفها الله تعالى بأن جعلها مهبط وحيه الكريم، وحاضنة حرميه الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين في مختلف أنحاء الأرض، تدرك حجم مكانتها وتفردها وخصوصيتها.