عندما يتساءل الناس عن الأمر الذي يتسبب في تحويل مجال ما أو عالم ما، تراهم يُغفلون مكوناً أساسياً. هكذا قال مالكوم جلاوديل صاحب الكتب الأكثر مبيعاً.

«ما هو إذاً السبب وراء حدوث التغيير الكبير الذي يهدم كل ما قبله؟ ما هي المتطلبات الواجب توافرها التي تجعل هذا النوع من التغيير الضخم أمراً ممكنا؟».

 يقول جلادويل إن الشروحات التي تحاول تبرير التغيير ليست كبيرة. «عادة نُعزيها إلى أهمية التكنولوجيا المتوفرة، أو المعرفة أو الموارد، أو توفر المال الكافي للتغيير، لكننا لا نتحدث عن طريقة التفكير، عن العقلية».

يستخدم جلادويل القصة المؤثرة عن قطب صناعة الشحن مالكولم ماكلين، ليشرح كيف أن امتلاك العقلية الصحيحة أمر أساسي لخلق التغيير. ويقول إن ماكلين كان ذلك النوع من الأشخاص الذي لا يُظهر كثيرا من المشاعر، فقد تربّى في فقر وترك المدرسة في السادسة عشرة، لكن عندما ذهب إلى العمل في محطة للوقود وعرف أن بإمكانه الحصول على 5 دولارات من مجرد شحن النفط من مكان بعيد، تطوع لمساعدة مديره وهذا أدى لتغيير مجرى التاريخ لاحقاً.

أدى ولع ماكلين بنقل الوقود إلى جعله أشبه بقائد في مجال النقل بالشاحنات. وكان هو أول شخص يقترح استخدام الديزل، وأول شخص يجد المسارات الأكثر كفاءة التي توفر المال والوقت على الشاحنات.

كان الشحن يستغرق كثيرا من الوقت، وكذلك التحميل والتفريغ، كانت كلفة الشحن كبيرة جداً لدرجة أن كثيراً من الشركات الكبرى التي كان من الممكن أن تصبح غنية جداً لو أنها توسعت، لم تفكر بالأمر بسبب نفقات الشحن الباهظة. وفوق كل هذا، كانت أماكن التحميل تخضع لسيطرة عصابات الجريمة المنظمة وتديرها النقابات وكان هناك مشاكل سرقة.

في منتصف التسعينات، عندما كان كان ماكلين اسماً كبيراً في عالم النقل بالشاحنات في أميركا، قرر أن يغير مجاله. قام ببيع شركته، وبعد عدة بدايات غير موفقة، جاء بفكرة تعديل ظهر الشاحنة بحيث يصبح من الممكن سحب صندوقها وبالتالي يسهل تحميله من وإلى السفينة. في أبريل 1956، نجحت الخطة وبدأت معها الحركة السهلة وغير المكلفة للشحن من دولة إلى أخرى.

ما الذي جعل من ماكلين شخصاً ناجحاً؟

أولاً لم يكن متعلماً، وكان لا يعرف شيئاً عن الشحن. كانت لديه خلفية في الشحن بالشاحنات فقط، لكن كان لديه 3 ميزات، وهي ميزات توجد لدى أمثال ستيف جوبز وغيره من أصحاب الرؤية.



متعة أن يختلف الناس معك بالرأي

اعتقد الجميع أن ماكلين مجنون. قام ببيع كامل شركته. كما أن فكرة استخدام الحاويات للشحن لم تكن أمراً جديداً – فقد كان الناس يستخدمونها لأكثر من 30 عاماً ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً. فقد كانت الحاويات ثقيلة جداً، مما تسبّبَ في رفع التكلفة، كذلك كان من المكلف تحميلها. كان الملاحون يكرهون فكرة التعامل معها. ولم يكن ليثني ماكلين عن تحقيق فكرته حقيقة أنه قد رهن نفسه لفكرة خطرة، وأن الشحن بالسفن والحاويات يستنزف رأس المال، على عكس الشاحنات.

لكن ماكلين كمعظم الأشخاص المقبلين على خسارة، لم يكن لديه ما يخسره. فقد كان «غير مبالٍ على الإطلاق لما يقوله الآخرون عنه»، وهذه الميزة أساسية جداً لفهم الأشخاص الذين يحدثون تغييراً كبيراً. هم من يسميهم علماء النفس أشخاص سمجون لا يقبلون النقاش – لم يطلبوا موافقة من الآخرين ليفعلوا ما يرونه صحيحاً.

 

إعادة صياغة المشكلة

اعتقد الجميع أن ماكلين لم يكن يرى الصورة كاملة.. الأشخاص الذين يشتغلون في النقل بالشاحنات والسكك الحديدية ومنصات التحميل كان لديهم المعلومات الكافية لحل المشكلة، لكنهم لم يكونوا قادرين على رؤية الصورة كاملة. فقد نظروا للحل في نطاق الطريقة التي تجعل عملهم أسهل، من خلال إعادة تشكيل الموجود بين أيديهم بما يناسبهم. أما ماكلين، فأراد تغيير الأمر برمته. وقال الناس إنه لن يستطيع تصميم الحاويات لأنها ستكون ثقيلة، فقام بإعادة تصميم الرابط بين الشاحنة والحاوية، وعندما قال الناس إنه يحتاج لرافعة لرفع الحاويات من على الرصيف، فكر باختراع ما يشبه مسار السكة الحديد لمساعدة الرافعة للانتقال أعلى وأسفل السفينة.

 «الأشخاص الناجحون الذين يحدثون تغييراً كبيراً هم الأشخاص الذين لديهم مخيلة نشيطة، يبدؤون بإعادة تخيل عالمهم من خلال إعادة تشكيل المشكلة بطريقة لم يفكر بها أحد من قبل».



 إزالة العقبات

عندما رأى الملاحون ما كان يحدث بدؤوا إضراباً. لم يكن لدى ماكلين مشكلة بذلك، واستغل الوقت لتعديل السفن وبناء حاويات أكبر، لكنه احتاج رافعات أكبر، فزار إحدى شركات الرافعات القريبة، طالبا رافعة تحمل 35000 باوند، وكان يحتاجها خلال 90 يوما، لكنه قوبل بالرفض.

فكر ماكلين بشركات تصنيع الأخشاب التي تستخدم الرافعات وتحمل كميات كبيرة من الأخشاب في كل مرة، فذهب إلى واشنطن، وطلب من صانع رافعات أن يصنع الرافعة، فأرسلت له في نفس المساء..«لاحظوا كيف أن إعادة النظر للمشكلة من زاوية أخرى، يحررك من أسرها». يقول جلادويل «لماذا كان ماكلين يصر على الحصول على الرافعة خلال 90 يوماً؟

لقد أرادها بسرعة، الأمر لا علاقة له بامتلاك الرؤية، أو البصيرة، ولا حتى له علاقة بقوة عقله وموارده.. آمن برؤيته، وميزّته لم تكن في عقله أو شيئاً في جيبه، بل كانت شيئاً في قلبه».

 


جيل كراسني

* كاتبة في Esquire

* موقع Inc.com