أزعم أنني من المحتفين بإنشاء هيئة الترفيه، وكتبت، قبل إنشائها، عن أهمية الترفيه اقتصادياً وسلوكيا وفكريا، لكون السعودي يسافر إلى خارج البلاد لغرض الترفيه المتفق على جوازه وربما الترفيه المختلف في جوازه، الأمر الذي قد يوقعه في المتفق على تحريمه، فضلاً عن الأموال الطائلة المهاجرة لخارج الوطن، وأسهبت عن ذلك في مقال «أول مداهمة للهيئة» في الشهر الأول من إنشاء الهيئة سنة 2016
ورغم هذا الاحتفاء والمباركة إلا أن الهيئة الموقرة تبقى تحت دائرة النقد البناء والتقويم لغرض الإصلاح، خصوصاً بعد طلب رئيسها من المجتمع إبداء الرأي وتقديم المقترح.
في هذه المساحة الصغيرة، سأشارك في طرح الرأي علّنا نقدم ما يخدم الوطن في هذا الباب. لا أرى أنه من المجدي استقطاب فعاليات ذات هوية خارجية ليس لها ما يدعمها في هويتنا المحلية. قد تكون وجهة نظر جيدة لتغيير رؤية سلبية خارجية من خلال جذب فعاليات ذات هوية خارجية، غير أن الأمر لا يعفينا من البناء المدروس محلياً على مستوى المدارس والجامعات والمنشآت الأخرى كما سيأتي.
نحن أحوج ما نكون إلى إنشاء بنية تحتية تُنتج أفكاراً ترفيهية وفنية من صميم تراثنا ومن ابتكارنا أيضاً، والتي تنفتح على الداخل والخارج من خلال عدة نوافذ محلية.
لا يمنع من استقطاب الفرق الفنية والفنانين من الداخل والخارج، إلا أنه يُفترض العمل على إنشاء مراكز ومعاهد وطنية ليس لاكتشاف المواهب فحسب، بل لصنعها في مرحلة مبكرة قد تبدأ من الحضانة والتمهيدي وما يليهما. إن الجوانب التنموية تتطلب الاستثمار في الإنسان المحلي وليس في الإنسان خارج حدود الوطن.
أُسس التنمية السليمة تكمن في استثمار قدرات الإنسان المحلي، الأمر الذي مكّن ذلك الإنسان الغربي أو الشرقي أو حتى العربي لجذبه إلى بلادنا لتقديم فنونه المبهرة لنا.
الاستثمار في خطط التنمية يجب أن يكون في المواطن السعودي فنياً وعلمياً، ليس فقط بطريقة عرض الفنون العربية أو العالمية عليه، ليصبح مجرد متفرج لا أكثر، بل الانطلاق إلى إشراكه في تلك التنمية ليكون منتجاً لتلك الفنون.
يتأتى هذا، في نظري، من خلال تجهيز المسارح في التعليم العام وما قبل التعليم العام كالروضة والتمهيدي، وكذلك التعليم الجامعي إلى جانب المعاهد الفنية والأندية الرياضية.
إن العمل على إلزام وزارة التعليم بتوفير صالة مسرحية في كل مدرسة من مدارسها القديمة منها والجديدة، عن طريق استغلال المساحات غير المستثمرة في المدارس، وأن تتولى وزارة الشؤون البلدية والقروية عدم منح رخصة بناء أي منشأة تعليمية دون أن تكون قاعة المسرح حاضرة في كل خرائطها الهندسية.
كذلك، بناء مقرات فنية على غرار مقرات الأندية الرياضية، كفيل بغرس نواة الموهبة واكتشاف الموهوبين واحتضانهم وصقل قدراتهم، وتحويل مواهبهم إلى مهارات قد تُستثمر وتدر على صاحبها والمجتمع مداخيل اقتصادية جيدة.
قاعات ومسارح جمعيات الفنون بالمملكة هي الأخرى يتطلب تجهيزها على مستوى عالمي ليصبح لدينا 12 مركزا فنيا مهيأً للعروض الفنية، بمبالغ قد لا يتجاوز مصروفات استقدام بضعة فرق عالمية.
الحدائق العامة الكبرى وحدائق الأحياء الصغرى يفترض أن تشملها الخطط الترفيهية المستقبلية برسوم رمزية جداً.
زيادة فترة فعاليات الجنادرية لتمتد لعدة أشهر، والعمل على تطوير جوانبها الترفيهية، وتوسيع تواجدها في معظم مناطق المملكة، من أهم أنواع الترفيه الجاذب لجميع فئات المجتمع نظراً لارتباط الناس بواقعهم الفني والتراثي.
أخيراً أقترح إشراك المراكز البحثية الجامعية منها والخاصة أيضا، لدراسة الخطط والإستراتيجيات والأنشطة الترفيهية لنخرج بنتائج عملية مدروسة مدعومة بمؤشرات استطلاع الرأي العام.